صوروها على أنها حقائق لا تقبل الجدال، وأن كل ما عداها محل شك مستندين إلى ما تم لهم من اكتشافات تجريبية.
لكن هذه الاكتشافات التجريبية كلها تصرح بعظمة الباري جل وعلا، ولكنهم قلبوا الحقائق وجعلوا منها أدلة على إلحادهم، وكل ما هو لله سبحانه وتعالى جعلوه للطبيعة التي عبدوها من دون الله، وزعموا أن الطبيعة هي التي تسير الكون في تناسق عجيب محكم وترابط متشابك، وكان هذا يكفي دليلًا على وجوب الإيمان بوجود خالق مهيمن على كل ذرة في هذا الكون، يسيره على نسق واحد دون اختلاف حسب سننه في الكون، ولكن الشيطان حال بينهم وبين التفكير الصحيح، فقلبوا هذه الحقيقة وزعموا أن هذا التناسق إنما هو من شأن الطبيعة والمادة، التي وصفوها بأنها لا بداية لها ولا نهاية لها، حتى لكأن الخلاف بينهم وبين المؤمنين بالله تعالى خلافًا لفظيًّا.
المؤمنون يسمون هذه الطبيعة إلهًا وهم يسمونها مادية. قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} (الطور: 35)، وكان يجب أن يسميهم الناس مجانين حينما زعموا أن الكون وجد بدون موجد، وحدث بعد أن لم يكن حادثًا دون محدث له، غير ما توهموه من تجمع ذرات هذا الكون وتطورها، إلى أن أحدثت هذا العالم والكون وما فيه من أجرام علوية وسفلية، وكلها عن طريق الصدفة والارتقاء، ولو قلت لأحدهم: إن عمودًا كهربائيًّا وجد بذاته وأصبح ينير للناس الطريق لضحك من قائله ونسبه إلى الجنون، بينما هذه الشمس وهذا القمر وهذه الكواكب وهذه الثمار في الأرض والأنهار والجبال كلها يقولون عنها: إنها وجدت بدون خالق. إن الملاحدة يعترفون بعجزهم التام عن معرفة سر وجود الحياة لأي كائن مهما كان صغر حجمه أو كبر حجمه، وأنهم لا يستطيعون