" ارفعي عينيك "، وتتحول الظلمة التي رانت على المنظر الأول فتصبح مجرد " غيمة " تنثرها هبة ريح. الظلام لا يمكن أن يظل شاملا لأن الشاعر كان قد تعود كلما استبد به الظلام في سجنه (منذ عشرين عاما) أن يرسم وجهها أو يتمثله في خياله فيتبدد كل ظلام. ولكنه لا يزال يحس بالأنفصال، ويتوق بحرقة إلى الاتحاد، أن كلا منهما ينتمي إلى واد بعيد عن وادي الآخر، وكل واد يسيطر فيه شبح، فلم لا يتحد الشبحان في غيمة واحدة يشربها قوس قزح؟ أنه ليس فجرا صادقا، ولا يمكن أن يكون كذلك، ولكنه عزاء ما يكشف شيئا من أسداف الظلام، ويتكرر الوعد الذي طالما ردداه، في تصوراتهما السابقة:

وسآتيك بطفلة

ونسميها " طلل "

وسآتيك بدوري وفله

وبديوان غزل.

وللقارئ بعد ذلك أن يتأمل قيمة أشياء صغيرة في هذا البناء الكلي، مثل تحديد الفترة الزمنية (عشرين عاما) بين الهجرة الأولى والهزيمة، فهو تحديد يرمز إلى الضد، أي أن الزمن طال وطال حتى أصبح يتجاوز؟ في أحساس المسجونين والمسبيين - مئات السنين، وهذا يتمشى مع التعبير عن الواقع باسم " المنفى الكبير " و " السجن الكبير " بينما حصاد السلم الذي أصبحت تتوق له نفس الشاعر يتمثل في " الكوخ الصغير "، ولا بد كذلك من الوقوف عند أهم ثلاث صور في القصيدة وهي الطفولة الطيور، الغيمة؛ فالهرب إلى الذكريات بدأ بالعودة إلى الطفولة، وبكاء الحبيبين كان كبكاء " طفلين غريبين "، والفجر الذي يحلمان به سيكون منه " طفلة " تسمى " طلل "، أما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015