ليكن شاهدي على ذلك قصيدة لسميح القاسم بعنوان: " تعالي لنرسم معا قوس قزح " (?) ، وهي قصيدة كتبت بعد هزيمة (1167) ، فهي مرهونة بهول المناسبة وشدة وقعها، وما أعقبها من شعور بالضياع والخيبة والعذاب، والانكماش والتضاؤل على المستوى الفردي والجماعي، ومع أنها تمتلئ بالتفجرات العاطفية، فإنها استطاعت تتحرك ضمن إطار فني متكامل، وتجئ حركتها في ثلاث دورات أو ثلاثة مناظر:

(?) شمول الظلام: في هذا المنظر نجد الشاعر نازلا على " سلم أحزان الهزيمة " وهو يحس أن كيانه يتلاشى " يمتصني موت بطيء "، وفي حركة النزول توجه إلى قرارة مظلمة، تسيطر فيها العتمة من كل ناحية، مما يجعل الشاعر غير قادر على أن يميز أن كان وحده، أو كان في الجماعة، ولكنه يدرك - في حالة الجمود بين يدي الموت البطيء - أنه لم يكن وحده، بل معه أيضا " ملايين مائة "، وكان الظلام يلفهم كما يلفه لأن عيونهم كانت مطفأة، وفي هذا الجو من العمى الكلي، الذي رماهم به " العار الجديد " لم يعد ثمة ما يميز القديس بينهم عن المارق، هم جميعا اشباح، فلماذا البحث في الظلام عن أكتاف تتحمل مسؤولية ذلك العار؟! وفي هذا الجو الداجي المطبق يحس الشاعر؟ الذي لم تطفئ عيناه - بحاجة ملحة إلى الضوء، أنه يريد ما ينير له طريقه في تلك الهوة، ولضيقه بالموت البطيء، يريد موتا وحبا، ويقدم نفسه قربانا للحزن، لنار العار كي تحرقه لعله يضيء، فيخرج من حيز الموت البطيء إلى التلاشي المطلق، مقدما نفسه ضوءا أن كانت العيون المطفأة قد تعود إلى الإبصار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015