وقفت وكانت الدنيا يون شتاء

وقشر البرتقال لنا، وخلفي كانت الصحراء.

وأقول: أنني لم أكتب دراسة تحليلية عن القصيدتين، وإنما أوردتهما على سبيل التمثيل، ولو كان المجال يتسع لوقف الدارس عند كل كلمة، فيهما، لأنها لم تأت عبثا. لماذا الحديث عن حكمة الأجداد؟ ما الدلالة الواقعية في سحب " البيادر "؟ رمز الحضارة الفلسطينية المتطورة - إلى سجن أو منفى أو ميناء؟ وما معنى أن يكون قشر البرتقال؟ دون لبه - لنا؟ وما معنى أن تكون الصحراء هي الإطار الممتد خلف ذلك الكيان؟

هذا نفس " رومنطيقي "، لا سبيل إلى جحد ذلك، وهو أشد عنفا من رومنطقية نازك أو السياب أو صلاح عبد الصبور أو أبو سنة، وهو أيضا في الوقت نفسه، حلقة الوصل بين الشاعر والجماعة، وهو إذا اعتبرنا الشعر صورة من الصلابة التي لا تلين، شعر مقاوم، يتشبث بالصمود، ورغم تعلقه بالماضي، فان أيما نه بالمستقبل ركين لا يتزعزع، بحيث نجد أن الوتر الرومنطيقي لم يستعبد الشاعر، وإنما سخره الشاعر نفسه لكي ينقل أنقى مشاعر المناضل في حومة المجموع، وفي الوقت نفسه جاء به على هذا النحو ليعبر عن المجموع في أقصى ما يحس به آمال وآلام.

وفي هذا اللون من الشعر - وليعذرني النقاد فيما أقول - يظل كل سؤال عن الطريقة الشعرية والبناء الفني، شيئا تاليا لعمق التجربة، ها هنا معادلة صعبة: تتسلط فيها العفوية، ويتدفق فيها المد العاطفي بحيث يكسر كل الحواجز، ويطغى على كل ما حوله، ومع ذلك فمن ذا الذي يستطيع أن يقول أن الشكل العفوي، لا يخلق إطارا فنيا، على خير ما يجب أن يكون عليه ذلك الإطار؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015