هذا طبيعيا بسبب اختلاف الأجيال والموارد الثقافية وحاجات الوقت، ولكني اعني شيئا آخر، أعني أن هذا الشعر ظل في مراحل مختلفة الابن الوفي لنشأته، وقد رأينا أن نشأته كانت تحولا في الشكل مع التمسك بالرومنطقية وعدم مبارحة مجالها إلا شيء يسير؟ أو غير يسير - من الاستبطان الذاتي، والتحليل النفسي والتحوير القصصي، وفي هذه السمة التي يمكن أن توصف بأنها تحليلية؟ على وجه العموم - يتفاوت الشعراء، دون أن يعني ذلك أن الجيل الذي جاء بعد الرواد الاوائل، أو الجيل الذي بعده، قد استطاع أن يطور في هذا المنحى، أضف إلى ذلك أن الخضوع للرومنطيقية ظل هو الوجه الغالب على هذا الشعر، بحيث تعنف هذه النزعة أو تبهت بحسب حظ الشاعر منها، حتى معالجة القضايا الإنسانية أو القومية أو العقائدية ظلت تتم في هذا الإطار؟ في أكثر الأحيان -. ولست هنا بصدد شجب الرومنطيقية، إذ يبدو أن التخلص منها؟ أن كان لا بد منه - ليس أمرا سهلا، وخاصة إذا تضافرت عوامل عدة في واقع الأمة العربية تغذيها وتنعشها كلما فترت؛ ولكن الذي أقوله أن الرومنطيقية تحدد زاوية الرؤية وتضخم الجانب المأساوي لدى اصطدام النفس الحساسة بالمشكلات، وبهذا لا يستطيع الشعر الحديث أن يصبح " رؤيا " خالصة كما يريد له أصحابه.

ومن الواضح أن هذا الاتجاه هو الذي غلب على شعر نازك وصلاح عبد الصبور ومحمد إبراهيم أبو سنة وبلند الحيدري، كما نجده في المراحل الأولى من شعر أمل دنقل وفايز خضور وسعدي يوسف وفدوى طوقان ومحمد عفيفي مطر، وفي مرحلة لاحقة في شعر البياتي، وقد وجد انعطافة قوية نحو مزيد من الرومنطقية في شعر توفيق زياد والمراحل الأولى من شعر سميح القاسم ومحمود درويش

طور بواسطة نورين ميديا © 2015