وحين يخرج المرء من هذه الغابة من الأسئلة (وأنى له أن يخرج) تسلمه قدماه إلى غاية أخرى: ولنسمها " غابة الحقوق ": (يقول مفكر ساخر: هذا عصر يتحدث الناس فيه عن الحقوق، ولم أسمع أحدا يتحدث فيه عن الواجبات) : حقوق العمال، حقوق الفلاحين، حقوق الموظفين، حقوق المرأة، وما آلت إليه هذه الحقوق الأخيرة من مطالبة بالأنصاف إلى مطالبة بالتحرر، واهتزاز وضع العائلة أو تفككها، وضياع سلطة الأب، والعلاقات الجديدة بين الأب والأبناء (أو انعدام العلاقات) ، واستعلاء قضية " الجنس " واحتلالها مقام الأهمية، والاستشفاء بمعالجة الكبت (العفة القديمة) بإشباع الرغبات، كيف فعلت كل هذه في توجيه الشعر، وقبل كل ذلك كيف غيرت مفهوم العصبية العائلية، وحطمت القيم القديمة، وأيدت التساهل في تصوير الشذوذ، وأوجدت معنى جديدا للحب، وفعلت؟ وفعلت؟ مما لا قبل لهذه اللمحة بتصويره.

وقبل هذا كله أين يقف الشاعر نفسه من فكر عصره وثقافته وأيديولوجياته: هل هو ماركسي يتحدث؟ دون أدنى تعقيد - عن البروليتاريا والثورة وصراع الطبقات وحتمية التاريخ، أو هو ليبرالي؟ وهل يؤمن بما تدعو إليه الوجودية من مبادئ؟ أتراه يرى أن الإنسان ابن موقفه وأن مطلبه الأول والأخير هو الحرية، وأن حريته بالمعنى الدقيق التزام، وهل توغل في شعاب التحليلات النفسية الفرويدية وآمن بسيطرة اللاوعي وبأهميته في حياة الأفراد، وبالأحلام وما تعنيه من مخزونات جنسية، ولا بد أن يتأثر اتجاهه - بل لعله يتحدد - إذا أعجب بالسريالية وآمن كما يؤمن السرياليون بتعطيل العقل الواعي (automism) ليجد العقل الباطن سبيله إلى الانطلاق دون أن تعوقه أية عوائق، أو إذا عدل في هذا الموقف متابعا فنسنت بونور

طور بواسطة نورين ميديا © 2015