التي اجتاحت العالم العربي بعدها، من انقلابات وثورات، والعواصف الخارجية على شكل تدخلات وحروب، وشن الغارات على المخيمات، ثم تجسد الأماني الفلسطينية في حركة فدائية، ومحاولة القضاء على هذه الحركة في مراحل، إلى غير ذلك من شؤون، ولست أعني هنا كيف أصبحت القضية والأحداث المتصلة موضوعا للشعر، وإنما أعني ما الذي خلقته من مواقف وأساليب شعرية ووعي شعري، وإلى أي حد غيرت العطاء الشعري، وبلورت المفهومات والمنطلقات الشعرية، وكيف كان من المحتوم أن تربط هذا الشعر بالحركات التحررية في أرجاء العالم: في فيتنام وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرها، وأن توحد رموز التضحية؟ توحد بين لوركا وغيفارا وغسان كنفاني وكمال ناصر و؟، وحين فعلت ذلك لم يعد هذا الشعر يستطيع الانفصال عن الإحساس بأثر قضايا الحرب والسلام، والتمييز العنصري، والحرب الباردة بين المعسكرين الكبيرين، وظهور المعسكر الثالث، والانقسام بين قوى اليسار، وانحسار الاستعمار القديم، وتغول الاستعمار الجديد، وقضايا البترول وأثرها في داخل البلاد العربية وخارجها، والتنكيل بالأحزاب اليسارية في البلاد العربية نفسها، وتعرض تلك الأحزاب للانقسامات، وظهور حركات " رد فعل " يمينية، وعلى ضوء هذا كله تحددت على نحو حاسم معان كثيرة: معنى الثورة، معنى الشعر الثوري، معنى الشاعر الثوري، مدى العلاقة بين الماضي والحاضر، مدى " الرؤيا " المستقبلية، مدى إيمان الشاعر بوسائل النضال أو بمسارب الهرب، وبرزت من خلال ذلك أسئلة قديمة، ما مهمة الشعر؟ ما وجه الصلة بين الشاعر والمفكر؟ ما اللغة وما اللغة الشعرية؟ وما العلاقة بين الشاعر والجمهور؟ وقد كانت الأجوبة على هذه الأسئلة أيضا محددة للاتجاهات التي سار فيها الشعر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015