ولست أريد أن أقف عند هذه القصيدة وقفة تحليلية، وإنما أكتفي بملاحظات أراها ضرورية في هذا السياق، فهذه القصيدة تقدم لنا معجما يكاد مستوفى من ألفاظ: العبث والتثاؤب والضجر والسأم والوحل والطين واللاجدوى والجدار والباب المغلق، ومن السهل أن نتصور من خلال هذه الألفاظ جميعا أي جو تريد أن تضعنا فيه وأي جو تستوحيه، فهي تستعيد أكثر ما في قاموس الحركة الوجودية في مرحلة من مراحلها، و " المتكلم " في القصيدة يعاني الانفصال ويشكو اللامكانية واللاتاريخية، وحين يقول " لا وجه لي " فإنه قد يشير إلى أنه بف السمات المميزة أو يفقد الوجهة ولا يعرف إلى أين يسير، وسواء أكان " أنسانا " عاديا أو فنانا فإنه؟ على الحالتين - واحد من بني الإنسان الذين يجدون أنفسهم جميعا معزولين، أو كما يقول سارتر في كتابه " الوجود والعدم ": كل إنسان تفصل بينه وبين الآخرين هوة لا يمكن عبورها، فالتواصل على ذلك مستحيل، وقد رمز الشاعر لهذه الهوة بالتلال وبالصوت الذي يسمعه يناديه " تعال " من وراء تلك التلال، ومع أن الحب قد يصبح قوة موحدة إلا أنه في هذا الوجود يعجز عن أن يقوم بهذا الدور. ومن الأصح أن نسمي هذا الإحساس الذي تنقله القصيدة غربة، وأن نربط بين الغريب فيها وغريب كامو، وحين نبحث عن أسباب هذه الغربة؟ أو التغرب - لا نجدها سارترية بالمعنى الدقيق، لأنها ليست غربة عن الذات بسبب نظرة الآخرين، إنما هي غربة متافيزيقية لانبات الصلة بالمكان والزمان (التاريخ) ؛ وقد يكون أسباب الاغتراب كثيرة؟ حسبما يراها علماء الاجتماع - فمن أسبابها الشعور بالوحدة، وعدم الرضى عن العلاقات الاجتماعية، والسخط على طبيعة الوظيفة، والإحساس بالضعف أو بعدم الثقة؟ الخ، ولكنها عند الشاعر ربما تمت إلى كل هذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015