سيظل قادرا على الإيحاء بهذه الانتماءات جميعا، وفي بعضها أحيانا تضارب، وبعضها قد يقوي حتى يحجب غيره، ولكنه سيختار اتجاها أكثر تلاؤما مع نفسيته وبيئته، ولهذا فإن اتجاهه الكبير لم تتوضح معالمه بعد. وحسبك أن تضع عناصر الثورة على المألوف الشعري في هذه القصيدة إلى جانب ذلك الاتكاء الواضح على التراث في الأقوال والأمثال المرسلة من مثل: ما حك جلدك مقل ظفرك، لن يصلح العطار ما قد افسد الدهر الغشوم، أبدأ على أشكالها تقع الطيور، وهذا الاتكاء وأن كان مستوحى من اليوت؟ على نحو لا يقبل الشك - فإنه من العناصر التي لن يتخلى عنها البياتي، مهما يمتد به حبل التطور، وهو يرينا أهمية تحديد المنطق في تبين العناصر المتحولة؟ أو القابلة للتحول - والعناصر الثابتة في اتجاهات شاعر ما.

غير أن مما يحجب المسرب الكبير الذي سيتجه فيه شعر البياتي من بعد أنه كان في هذا الدور من نشاطه الشعري ما يفتأ يجرب، يبحث، يتلمس جاهدا ليستكشف الطريق، ولهذا فإن قصيدة واحدة؟ رغم كل ما تحمله من دلالات - لا تستطيع أن تصور وحجها جميع الروافد التي كانت تعمل معا لتشكل اتجاه التيار الكبير، وحسبنا على ذلك مثل آخر هو قصيدته " مسافر بلا حقائب " (?) ، التي يفتتحها بقوله:

من لا مكان

لا وجه لا تاريخ لي، من لا مكان

تحت السماء وفي عويل الريح اسمعها تناديني

" تعال! "

طور بواسطة نورين ميديا © 2015