بموقف الشاعر الفرنسي بول ايلوار الذي يجعل التمييز بينهما ضروريا لأن الحلم يستهلك ويتحول بينما لا يضيع من القصيدة شيء ولا يغير، وكذلك هو الإلحاح على أهمية البصر في الرسم أيضا، فإنه ينتمي إلى ايلوار نفسه، ولكن الناحية الإحصائية في القصيدة ذات منتمى آخر، غير بعيد، فهو منتمى سريالي دون تحديد، إذ نجد بعض قصائد السرياليين لن تكن سوى مجموعة من الأسماء صفت في نطاق واحد، ويتصل هذا؟ من وجه ما - بنصاعة الصورة ووضوحها وصلابة حواشيها، وذلك أمر يلحق بمذهب الصوريين (الإيماجيين) الذين كانوا يرون أن الشعر لا بد أن ينقل الأجزاء والعناصر بدقة تامة، صلبة واضحة، وأن التركيز هو جوهر الشعر وحقيقته، وفي النهاية يتفق هذا اللون من النقل من الحيادية التي يتطلبها اليوت، وذلك يعني تبرئة القصيدة من عناصر الاعترافية الذاتية. فأما العنصر الآخير وهو التنبه للحركة الجماعية فإنه قد أعان الشاعر على مبارحة النطاق الذاتي الاعترافي، ولكنه قد يكون من وجه آخر بداية اليقظة على آلام المجتمع وبؤس الكادحين، بوحي من نظرة يسارية.

قد يكون في كل هذا التصور إسراف، لا أريد به وجه التجني، إذ أنا أقول أن البياتي قد خضع لكل هذه المؤثرات حين كتب هذه القصيدة، وإنما نحن إزاء قصيدة نقل لنا صورة للشعر لم نألفها من قبل، ونحن حين نقرؤها نستذكر مظاهر كثيرة كانت تجري في الشعر الأجنبي، الإنكليزي والفرنسي، وأننا إذ ندرس الشعر العربي الحديث، فلا بد أن نكون على وعي بتلك المظاهر وما تمثله من تيارات، فذلك حقيق أن ينير أمامنا جوانب من الطريق ونحن نتحدث عن اتجاهات ذلك الشعر، وإذا كانت القصيدة نفسها تذكر بانتماءات شتى، فليس معنى ذلك أن الشاعر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015