بالتسجيل، فهو رغم حدبه على هؤلاء الكادحين، في تعبيرات خاطفة في إيحاءاتها، لا يبدي شيئا من الرثاء لحالهم، ولا يصرح بشيء من التفجع لهم، ولا يستصرخ أحدا لإنقاذهم.

ليس في القصيدة فرد يقع تحت تقلبات العاطفة وتغير العلاقات أسيرا للضياع، هنا مجتمع صغير ضائع، كل فرد فيه ضائع لأنه مرتبط بالمجموعة الضائعة ويحاول أن يتعزى بالحلم. وحضور الشاعر هنا جزئي، لا شخصاني (وليعذرني اللغويون في استعمال هذه الصيغة) ، وهو أمر لم نألفه في الشعر الغنائي الذي يتطلب أن يكون حضور الشاعر كليا. ذلك حضور أقرب إلى تصور اليوت لمهمة الشاعر، في أن يكون حياديا، إلى أقصى ما يستطيع، ولكن رغم أن حيادية اليوت قناع من الأقنعة الذاتية، فإن هذه القصيدة تخرج على ما يريده اليوت نفسه، من حيث أنها صورة مسطحة لا تنقل الرمز وأعماقه، معا في آن واحد، بل هي بعيدة أن تكون رمزا، لأنها تنقل ما تنقل دون أن تقول؟ على المستوى الرمزي - أي شيء.

وإذا كانت هذه القصيدة؟ كما قررنا من قبل - غير متطورة من داخل الموجة الرومنطقية، فهل نذهب لنبحث عن منتمى جديد لها؟ لا أجد بأسا في ذلك لأننا نعلم حق العلم أن التجاه إلى التجديد في هذا الشعر إنما كان مستوحى من الإطلاع على الشعر الإنكليزي؟ كما سبق القول - فلا ضير إذا نحن ذهبنا نطلب صلة لهذه القصيدة بمناخ آخر غير مناخ اشعر العربي. إن قصيدة نازك نفسها تذكرنا بقصيدة " سويني بين العنادل " (?) لاليوت، من حيث البناء، فقصيدة اليوت تزاوج بين الرثاء والسخرية؟ رثاء البطل الحقيقي أغاممنون، والسخرية من البطل المزيف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015