المادية - نظيفة معنويا لأن أجساد النساء لا تباع فيها، وينسون وهم الحاصدون المتعبون " أنهم مسخرون جسديا ومعنويا ليزرعوا صاغرين كي يأكل الإقطاعيون. (وليس من شك في أن هذه القرية وتلك المدينة هما؟ من بعد - قرية السياب ومدينته، إلا أن القرية تتوشح بذكريات الطفولة وظلال النخيل والبراءة كما يكبر الوحش الضرير وتطول أنيابه وتشحذ براثنه، حتى يصبح هولا لا يطاق، ولا نجاة منه إلا بالعودة إلى وداعة القرية وسماحتها، لأن السياب سيظل دائما واحدا من " الحالمين الطيبين ") .

وليس في قصيدة البياتي ذلك المبنى الذي يمنح قصيدة نازك ما فيها من روعة في الأحكام، ولا فيها شيء كثير من التحليل، ولا فيها نزوع السياب إلى الافتتان بحشد الصور والتقاطها من كل مكان، وإنما هي محض " صورة " للسوق في فترة زمنية محددة تقع بين حدة النشاط فيه واقفاره، نعم فيها ذلك التوازي الذي لا يختل بين المنظورات والمسموعات، ولكن لا شيء سوى ذلك، وتكاد تعتمد الجانب الإحصائي، دون تدخل مباشر أو تعليق موجه أو إغراق في استعمال الصفات، وتكاد تتجنب الإثارة العاطفية؟ في ظاهرها - وهي بهذا كله اقرب إلى لوحة الرسم منها إلى القصيدة، وهي من ثم غير متطورة من داخل الموجة الرومنطقية في الشعر العربي، كما هي الحال في القصيدتين السابقتين، ولما كانت أقرب إلى الرسم لم تحاول شيئا من الدرامية الحوارية، وكل ما أفادته من الشكل الجديد حرية الاختيار في الإحصاء، وإرسال الأقوال الحكم دون توطئة لها بمثل " قال " أو " يقول ". ومشاعر الشاعر فيها محتبسة وراء سور؟ يكاد يكون مصمتا - من الاقتصاد الدقيق في إسباغ الصفات والصور والاكتفاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015