القصيدة في مقطوعات أو دورات (بلغت إحدى عشرة دورة) وهي أيضا في هذه القسمة تشكو ما تشكوه قصيدة نازك، من حيث أن تلك الدورات لا تعبر عن مراحل محددة في بناء القصيدة، ومن ثم فإن إغفالها لا يعد إخلالاً بطبيعة ذلك البناء، غير أن السياب؟ على الضد من نازك - لم يحصر القصيدة في جو البيت أو المعبد، وإنما جعله أرحب من ذلك حين أتخذ السوق مسرحا لقصيدته، غير أن هذا التغيير يجب ألا يخدعنا طويلا، فإن الوحدة مضروبة على هذا السوق نفسه لأن الوقت ليل، وقد خلا من البائعين والمشترين ومن الجالسين والماشين، سوى بعض العابرين الذين لا يتجاوز أصواتهم الغمغمة، وإنما فعل الشاعر ذلك ليتيح لنفسه عمق الإحساس بالغربة في ذلك الجو الليلي الذي بسطه - كما فعلت نازك أيضا - فاتحة لقصيدته، ولأنه يخشى أن تشغله الأصوات عن تأمل أمرين: الأول: البضائع التي يحتويها السوق، والثاني ما تثيره تلك البضائع من ذكريات أو ما تفتحه من كوى على المستقبل، وليس للأمر الأول من قيمة إلا لأنه يؤدي إلى الثاني. ويسير " الغريب " في السوق فيرى الأكواب والمناديل (أدوات حفلة عرس) ولكن الشموع هي أشد ما يجذب انتباهه، لأنها تذكره بقلبه الذي كان حيويا ثم أخذت حيويته في الإطفاء مثلما هو مصير كل شمعة، وفجأة يتذكر كيف عاد النور إلى قلبه بظهورها؟ أعني فتاته - لتنقذه من وحدته، ولكنه كان يحس أنها ليست هي، وأن أحلامه في أخرى سيمضي باحثا عنها، إلا أن الأولى أكدت له إنها هي معقد أمانيه، هي الحبيبة التي طال انتظارها، غير أنها تنبأت له بأنه لن يحقق حلمه ببناء بيت على الربوة مضاءة بالشموع، وتضعه بين " قرني المعضلة " حين تقول له:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015