موتها، كأنه القوة السارية في تلك الطبيعة، وحياة " المحب " والسخرية من تلك الحياة إذ يحاول استمداد البقاء من عنصر مجدب ميت تافه صغير هو " الخيط "، وبين هذين المتوازيين تقع المتوازيات الأخرى من حركة وتوقف، وتوبة وعقاب، ومسموع ومنظور، وراحة أبدية وعذاب مستمر، والتطهر بالموت (دون ذنب) والحرمان من التطهر (وبقاء الذنب) ، إلى غير ذلك من صور التوازي.

هذا المبنى المتوازي ليس هو الذي يمنح القصيدة لونا جديدا، لأنه موجود في الشعر الكلاسيكي، كما أن منحاها الرومنطيقي لا يمنحها جدة وإنما يلحقها بتيار عريق في التاريخ الشعري، ومع ذلك يحس القارئ بهذه القصيدة أنها تنفرد بسمات مميزة: ومن أبرز تلك السمات طريقة خلق التوازي، وخلق الجو شبه الديني، والإلتفات إلى العناصر الصغيرة التي بها يكتمل نظام المبنى، فهل هذا كله من أثر انتحال جديد؟ مهما يكن الجواب على ذلك، فإن هذا الشكل قد يسر الجانب التحليلي، وقوى العنصر الدرامي، وجعل للتوازي مجالا واسعا، وسيجد من يدرس شعر نازك أن هذه القصيدة تعد معلما على التيار الكبير في ذلك الشعر، من حيث الاحتفال بالبناء والتحليل والدرامية وبسط التمهيدات المكانية والزمانية، والتمرس بمشكلة الموت وبالزمن، والاغتراف الكبير من الذاتية ذلك الاغتراف الذي يجعل التوجه إلى الخارج أمرا مرهقا غير سهل بل قد يستعصي على الشمولية والاحكام، فليس غريبا إذا وجدنا نازك تستقل بإتجاه خاص في الشعر يصعب التحول عنه.

وقد سار بدر شاكر السياب في قصيدته " في السوق القديم " على الطريق الذي سلكته نازك من حيث قسمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015