الوعي الداخلي عند الشعوب العربية، على نحو لم يحرزه الشعر من قبل، وإذا نحن اعتمدنا القانون الطبيعي: " لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه " لم نستغرب العنف في محاولة الانتكاس بهذا الوعي، واستعمال القوة السلطوية لمحاربة الفن جملة.

كذلك فإن الثورة حين تعتمد التحطيم ترتبط بالإخافة لمن لا يقدرون على تصور كل نتائجها، وهؤلاء يخشون إلى درجة الرعب انهيار سلطة الأب، وتفكك نظام العائلة، وبالتالي تقشعر نفوسهم من التحدي للسماء، ذلك أن إنسانية الإنسان؟ دون أي شيء آخر - تعني فيما تعنيه إشاحة الوجه عن كل ما هو وراء الغيب، وهذه سمة بارزة في الشعر الحديث، ولا يخفف من وقعها أن نحتال لها بالتفسيرات والتوجيهات، هل الشاعر الحديث من حزب الشيطان؟ لو الإنسان، وهذا يعني حربا خاسرة، ولكنه من حزب الإنسان، وهذا يعني أن الإنسان هو القيمة الوحيدة في هذا الكون، وهو لا يحاول أن يدخل حربا بين طرفين، وانما يكتفي بالجهود.

ثم أن ارتباط جانب من هذا الشعر بالرفض المطلق فيه تحد للعلم والعقل والنظام، وإذا كان الرفض غاية في ذاته أصبح عبئا - لا أداة للثورة - لدى أمة يرتبط تخلفها بحاجتها إلى هذه الثلاثة جميعا، وقد يكون الرفض المطلق أداة توازن لدى ناس أسرفوا في الخضوع لسيطرة العالم والعقل والنظام، ولكنه حين يقف وحده تظل أسباب تبنيه خير مفهومة. ولعل ارتباط الشعر بالثورة هو الذي أفقد الشاعر الحديث قسطا كبيرا من قدرته على السخرية، لأن الغاضب المحنق لا يستطيع أن يستخر، مع أن السخرية أداة فعالة في التشكيك بالمسلمات وفي إثارة قدرة الإنسان على الحوار من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015