وهي من ثم؟ رغم واقعيتها - قيمة مطلقة، وكل خروج عنها يمثل شرخا أو جرحا في وظيفة الشعر، وإذا كان الأمر كذلك فإن الإلحاح على صراع الطبقات؟ في المجتمع - أهم بكثير من الإلحاح على الصراع بين الفرد والمجتمع، لأن الأول يحقق مفهوم الالتزام، أكثر مما يحققه الثاني، وإذا كنا نقول أن الالتزام يكاد لا ينعدم، فيجب أن نسارع أيضا إلى القول، بإن درجات الالتزام متفاوتة، وفي كل موقف يتضح هذا التفاوت، سواء أكان ذلك الموقف صورة للعلاقة بالزمن أو بالمدنية أو بالتراث أو؟.الخ، فالشاعر الذي يرى في علاقته بالزمن صورة التجدد، ويستشرف في رؤيته للمدينة صورة الحضارة التي تكفل سلامة إنسانية الإنسان، ويستطيع في موقفه من التراث أن يربط بين الماضي والمستقبل، ربطا لا يطغى فيه أحدهما على الآخر، هو أكثر التزاما ممن يقع دون ذلك في تصوراته وأفكاره.

ولعل خير ما يلخص حقيقة الأمر أن يقال أن الالتزام هو الجانب الإيجابي من علاقة متبادلة بين الشاعر والمجتمع، وهي ليست علاقة أخذ أو عطاء ولا علاقة انصهار أو ذوبان، وإنما هي علاقة تطابق، فقد يصف الشاعر البحر لأنه أحب منظره، أو تأثر بروعة امتداده ولكنك تحس وهو يتحدث عنه أنه يعبر بذلك عن حرية الإنسان، أو عن عمق الوجود الإنساني أو سعة التجارب الإنسانية، دون أن يصرح؟ في الحالين - مخبرا أو مقررا - بهذه الرابطة الوثيقة السرية بينه وبين البحر، وتكون كل حركة أو صورة أو موجة موسيقية في قصيدته صورة لذلك التطابق، وهذا التطابق قد يوحي بالتفارق أو التقابل أو التناسب أو التحاور ولكنه لا يوحي أبدا بالانفصال.

وليست صفة الإيجابية في هذه العلاقة تعني المهانة، إذ أن هذه الأخيرة قد تكون بدورها سلبية محضا، ولهذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015