بالمناخ الاجتماعي إيمانا مطلقا بالواجب، (كالسير في ركاب حزب أو جماعة) ، وعندئذ ربما تتعرض طبيعة الخدمة الاجتماعية للمحك، إلا قليلا، وذلك حين يختل الإيمان المطلق، أو حين تصطدم مصالح الجماعة بمصالح جماعة أخرى، وعندئذ قد يكون ما سمته " زاوية الرؤية " خاطئا ربما لم يكن له وجود في الواقع، ولكن هنا سلمننا بوجوده، فإنه يعني في حال الشاعر " غيابا تاما " عن معالم المرحلة التي يعيشها، والحقيقة أن هذا الغياب التام نسبي، وهو في أردأ صوره انحياز للثانويات وهرب من الضرورات والجوهريات.
مثل هذا التصور يقربنا كثيرا من مفهوم الالتزام، فلنعد إلى ممدوح عدوان، الذي يعلق على حديثه عن الصراع بين الفرد والمجتمع بقوله: " هل قلت شيئا ينافي الالتزام؟ " ثم يجيب على هذا التساؤل قائلا: " أن لم تعط في حالة كهذه أدبا ملتزما، فإنك لن تعطي التزاما صادقا في حياتك. فالالتزام ليس استداء التصفيق، والاهتمام بالناس لا يعني كتابة قصائد التعزية. للشعر وظيفة واحدة هي الدفاع عن إنسانية الإنسان في هذا العالم؟ كما يقول الشاعر ماياكوفسكي؟. ".
وحين نقبل هذا المفهوم لوظيفة الشعر، علينا أن نضيف: أن إنسانية الإنسان ليست قيمة مصمتة، وإنما هي واقع أصيل، يتأذى بشتى الاعتبارات: هي حتمية يؤذيها الإهمال والانغلاق والخطأ في زاوية الرؤية، والخوف من التطور، وكثير غير ذلك، ولكن أكثر ما يؤذيها أيضا الإيمان بالتفاوت الطبقي (أي ضياع العدالة الاجتماعية، وعدم الوعي على التمييز العنصري أو اللوني، وتمجيد القوة لمجرد أنها قوة يسحق فيها الضعيف والفقير، ويضيع الحق الإنساني،؟ الخ) .