حومة الصراع بين الاثنتين يقوم الكاهن الموسيقي بتحويل الحيوية إلى " كبريت ونار مجرمه " ويقضي على البراءة بالإعدام، ويتخذ الشاعر " الغجرية " رمزا لتلك البراءة، ويتفنن في وصف صلتها العذراء بكل ما هو طبيعي، وفي تصوير الفورة العفوية التي تعانق كل شيء، متخذا من الجسد وتدفقه بألوان النضارة سبيله إلى رسم صورة عجيبة من بكارة الطبيعة، غير أن الكاهن الموسوي " الأسود الداجي المقنع بالرماد " يحاول أن يطهر ذلك الجسد بنار " الحضارة " فيحيل الغجرية إلى عجوز مجنونة:

هيهات يعرف من أنا، عبثا محال

شمطاء تنبش في المزابل

عن قشور البرتقال

لقد وضع حاوي في مقدمة هذه القصيدة تفسيرا لفكرته، ولكنه لو لم يفعل، لكان الرمز في القصيدة دالا على نفسه، ولهذا لا يمكن أن يتهم الشاعر هنا، بأنه يوجد الفكرة ويصب القصيدة على مثالها، وإنما القصيدة هي التي كانت أولا. إن حاوي ذا الموقف الهيردري هنا (نسبة إلى المفكر الألماني هيردر) قد خلق أسطورة جميلة، وأجاد التعبير عن أبعادها، ومن التطرف في التفسير أن يقال أن الشاعر يحس بعداء للحضارة، إذ من الذي ينكر أن " البكارة " الحيوية أفضل من " التعهر " الذي تحميه القوانين؟.

وإذا أنتقل إلى الحديث عن رموز أدونيس أجدني عاجزا عن الإحاطة بها، ولكن يكفي أن أقف وقفة قصيرة عند قصيدة واحدة من قصائده وأعني بها " رحيل في مدائن الغزالي "؟ وهي القصيدة التي أشرت إليها فيما تقدم، عند الحديث عن الحركتين الصعودية والأفقية، ذلك أنها تقص قصة المعراج (أو الإسراء) ، وتجعل من التنقل في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015