فإن قصيدته " مدينة بلا مطر " تصلح أن تكون أكثر قصائده تعبيرا عن إتقانه للرمز المتصل بالجدب والخصب، على المستوى الجماعي لا الفردي -، ففي هذه القصيدة، المتكاملة بناء وموضوعا، استغل الشاعر جميع الشعائر التي تستجدي الطعام والماء، والقرابين التي تقدم لعشتار في مثل هذا الموقف، ووضعنا في جو كامل لترقب البعث، ومع ذلك فلا بد من القول بأن السياب، يأخذ الأسطورة على حالها، وأن ميزته الحقيقية لا تكمن في الاتكاء على الأسطورة، بمقدار ما يمكن في التفصيلات التي يضيفها والصور التي يخلقها، وبما أن طبيعة الأسطورة أولا، وهذه التفصيلات ثانيا، مرتبطتان بقدرته الفذة، وألق شاعريته، وأحكامه للربط بينهما، فإن قصيدته؟ في الحق - لا تستولي على مشاعرنا عن طريق غرابة التوقع أو المفاجآت، وإنما بهذا الربط العجيب بين بابل الوثنية، والعراق الحديث، ذلك لأنه يستطيع أن يفيد من أكبر خدمتين تقدمهما الأسطورة وهما التطابق بين الماضي (البدائي) والحاضر، والموازاة القياسية، حين لا يكون هذا التطابق ممكنا.
ومع أن السياب؟ في سنواته الأخيرة - قد فقد معنى البعث، حين انفرد بمعالجة الموت، وفقد القدرة على الربط بين المحنة الذاتية والجماعية، فإنه استطاع أن يتوصل إلى البناء الأسطوري، دون حاجة للاتكاء على الأسطورة أو للتكثر من رموزها، وخير شاهد على ذلك قصيدته: " حدائق وفيقة "، فإن وفيقة تعيش في حديقة في ظلام العالم السفلي، ويصف الشاعر هذه الحديقة ويتفنن في وصفها ويتمنى آو أن نهر بويب الذي يسقي جيكور، كان يستطيع أن يسقي تلك الحديقة، ووفيقة تنتظر وتنتظر، ولكن لا بويب، ولا حبيبها يقدران على تحويل حديقتها إلى العالم العلوي، ودون أن يقول الشاعر على أية أسطورة يبني تصوراته نحس أن