أن يكون السياب نموذجا للشاعر الذي يطلب الرمز في قلق من يبحث عن مهدئ لأعصابه المسوفزة، فهو يتصيده حيثما وجده، وقد تأثر كثيرا بذلك الفصل الذي ترجمه الأستاذ جبرا إبراهيم جبرا من كتاب " الغصن الذهبي " عن البطل الأسطوري (أدونيس) ، وبهذا يكون السياب قد فتح المجال بعده لمن شاء أن يستخدم الرموز، وأم تجاوزه بعضهم في القدرة على الاختيار وفي طريقة الاستخدام. على أن السياب نفسه قد تطور كثيرا في كيفية استغلال الأساطير والرموز، ابتداء من اتخاذها نماذج موضحة (كما في قصة يأجوج ومأجوج في قصيدة المومس العمياء) حتى بناء القصيدة كلها على الرمز الواحد كما في قصيدته " المسيح بعد الصلب "، ففي هذه القصيدة الأخيرة التي تصور تمزق الشاعر بين جيكور والمدينة، يحس أنه المسيح، وأنه استطاع أن يحيى جيكور لأنها امتداد منه، كما أنه امتداد للجيل كله:

صرت مستقبلا، صرت بذره

صرت جيلا من الناس، في قلب دمي

قطرة منه أو بعض قطره،

وأما المدينة، فرغم أنها تعج بأمثال يهوذا، الذين أمعنوا في تعذيبه، فإنها لا بد أن تبعث أيضا:

قدي الرب، هذا مخاض المدينة

وقد كانت سيطرة رمز البعث على السياب قوية، لأنه على المستوى الفردي كان يحس بأن لا شيء سواه يعينه على مواجهة الموت، ثم ازدادت هذه السيطرة قوة عندما اصبح العراق؟ مثل السياب نفسه - خلال أزمة سياسية معينة - بحاجة إلى الخصب بعد الجدب. ومع أنه لجأ أحيانا؟ في هذه الفترة نفسها - إلى تكثيف الرموز في القصيدة الواحدة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015