وبعد استغلال الأسطورة في الشعر العربي الحديث من أجرأ المواقف الثورية فيه، وأبعدها آثارا حتى اليوم، لان ذلك استعادة للرموز الوثنية، واستخدام لها في التعبير عن أوضاع الإنسان العربي في هذا العصر؛ وهكذا ارتفعت الأسطورة إلى أعلى مقام، حتى إن التاريخ قد حول إلى لون من الأسطورة لتتم للأسطورة سيطرتها الكاملة. لماذا تم كل ذلك؟ ثمة أسباب كثيرة ربما كان في أولها - وإن لم يكن أقواها - التقليد للشعر الغربي الذي اتخذ الأسطورة؟ منذ القديم - سداه ولحمته، ولكن منذ دراسة جيمس فريزر (في الغصن الذهبي) للأسطورة، ومنذ دراسات فرويد ويونج لدورهما في اللاوعي الإنساني، انهارت الحواجز التي كانت تقوم دون تقبلها في الشعر العربي الحديث، أضف إلى ذلك كله أن الأسطورة جاذبية خاصة، لأنها تصل بين الإنسان والطبيعة وحركة الفصول وتناوب الخصب والجدب، وبذلك تكفل نوعا من الشعور بالاستمرار، كما تعين على تصور واضح لحركة التطور في الحياة الإنسانية، وهي من ناحية فنية تعسف الشاعر على الربط بين أحلام العقل الباطن ونشاط العقل الظاهر، والربط بين الماضي والحاضر، والتوحيد بين التجربة الذاتية والتجربة الجماعية، وتنقذ القصيدة من الغنائية المحض، وتفتح آفاقها لقبول ألوان عميقة من القوى المتصارعة، والتنويع في أشكال التركيب والبناء.
لهذا الأسباب ولغيرها ذهب الشاعر الحديث؟ في توق محموم - يبحث عن الأسطورة، ويعتمدها أنى وجدها، لا يعنيه في ذلك أن تكون بابلية (عشتاروت تموز) أو مصرية (أوزوريس) أو حثية (أتيس) أو فينيقية (أدونيس، فينيق) أو يونانية (أورفيوس. بروميثيوس. عولس. (أوديس) . سيزيف. أوديب؟ الخ) أو