وبسبب التحولات السريعة المفاجئة، والشغف بالتجديد المستمر، ضربت الحركة الشعرية رواقا من الحيرة حول النقد والناقد، وكانت أكثر الدراسات النقدية التي واكبت هذه الحركة على نوعين: نوع وصفي نير المحتوى، ونوع شعري مبهم لا تتحدد فيه غاية ولا يتضح حكم، وهذه الحال تغري بأن يطرح المرء هذا السؤال: كيف استطاعت هذه الحركة ان تقوي وتشتد دون أن يكون لها سند كبير من نقد أصيل؟ أن مثل هذا السؤال يفترض أن دعم النقد لازم لكل حركة أدبية تحتاج أن تستمر وتنمو، وهو افتراض ليس من الضروري أن يكون دائما صحيحا، ولكن هبنا أخذنا به في هذا المقام، فإننا سنجد عوامل أخرى ساعدت تلك الحركة الشعرية على الثبات البقاء منها: روعة الجدة، والملاءمة لروح العصر، وصدق كثير من التجارب، والمثابرة على تحدي الصعوبات، وسرعة العدوى و؟ إلى عوامل أخرى تستحق ثلاثة منها بسطا، لأنها تمثل ثلاث مراحل في تاريخ تلك الحركة:

الأول: التضامن الصامت، ذلك أن حركة الشعر الحديث ظلت بمنحى من الانقسامات الداخلية الصارخة، وإذا استثنينا بعض المواقف الفردية كوقفة السياب ضد صلاح عبد الصبور أو وقفته ضد البياتي، وموقف نازك من العيوب التي لابست هذا الشعر، وما أشبع ذلك، وجدنا أن كل من مارس النظم على النحو الجديد، قد انظم إلى الحظيرة، وأصبح عضوا في " مدرسة المحافظة "، حتى وأن كان حظه من التجديد نزورا يسيرا، وهكذا استطاع هذا التضامن الصامت أن يحتضن مختلف الانتماءات والنظرات والمواقف، التي كان من الممكن أن تجر إلى انقسامات وتراشق بالاتهامات مثلما تفعل على الصعيد السياسي، وكان مما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015