ساعد على ذلك؟ في المرحلة الأولى - عدم وضوح تلك الانتماءات والمواقف، على نحو ساطع، إذ كان الرواد الأول لا يبغون من انتحال شكل جديد تعبيرا عن موقف فكري أو انتماء سياسي أو عقائدي وإنما كانوا يبحثون عن شكل يفرغون فيه مشاعرهم الرومنطقية، على نحو تحليلي، لم يعد يسعف عليه الشكل القديم، وإذا أنت قارنت بين ديوان عاشقة الليل وشظايا ورماد لنازك أو أزهار ذابلة وأساطير للسياب أو ملائكة وشياطين وأباريق مهشمة للبياتي، أو بين قصائد صلاح عبد الصبور ذات الشطرين وقصائده المتفاوتة في تفعيلاتها، لم تجد تغيرا كثيرا إلا في السمة التحليلية، والتطور القصصي، وإذا كانت الانتماءات والمواقف غير واضحة حينئذ، فإن الاتجاهات الشعرية نفسها كانت أيضا. ولا نجد خروجا عنيفا على منطق هذا التضامن الصامت مثل نقد أدونيس لشعر المقاومة. ولكن يجب أن نذكر أن ذلك النقد قد كتب بعد أن أصبحت الحركة الشعرية قليلة الحاجة إلى الإغضاء والمجاملة (?) ، وبعد إذ أصبح شعر المقاومة نفسه " ظاهرة شعبية " تهدد كثيرا من شعر " الصفوة المثقفة " بالحجب والانكماش. يقول أدونيس " إن شعرنا في الأرض المحتلة هو أولا رافد صغير في الشعر العربي المعاصر، بل رافد ثانوي، وهو ثانيا، امتداد لا بداية، امتداد لشعر التحرر الوطني الذي عرفه العرب طيلة النصف الماضي من هذا القرن وليس شعرا ثوريا " (?) ويؤيد أدونيس رأيه هذا بعدة ملاحظات منها أن هذا الشعر ضمن الأطر الموروثة، وانه خارج الثورة لأنه يعتبرها حدثا خارجيا قابلا للوصف والهتاف والغناء فهو من ثم محض حماسة لا تفعل شيئا، ومنها أنه مشبع المبالغة، والمبالغة تفرغ الوعي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015