جملة، وهذا؟ مع وقفته لمخاطبة الشاعر الذي أتخذه قناعا - يكشف عن رقة القشرة الدرامية التي حاول أن يتخذها لنفسه، دون نجاح كبير، وذلك هو العيب الكبير الذي قد يصيب القناع.

(3) المرايا:

هذا الأسلوب من النظر إلى الماضي يكاد يكون قاصرا على أدونيس، فإني لم أجد غيره يستعمله، إلا أن يكون ذلك قد شذ عني، والمرآة من الوجهة النظرية أشد واقعية من القناع، وأشد حيادية، لأنها لا تعكس إلا الأبعاد المتعينة على شكل صورة أمينة للأصل، ولكنها في الحقيقة تستطيع أن تكون بعيدة عن الموضوعية، لأنها في النهاية صورة ذاتية، ومن المفروض أن تكون كذلك، إذ لو كانت مكتملة الموضوعية لكانت أقرب إلى الواقعية الطبيعية، التي تحاول رسم الأمور هي دون تحريف، أو لكانت أشبه بالصور الفوتوغرافية.

والمرآة أوسع مجالا من القناع لآنها تصلح أن ترفع للماضي، كما تصلح أن ترفع في وجه الحاضر، وأن تعكس الأشياء مثلما تعكس الأشخاص، بينما لا يصلح القناع إلا للماضي، ولاستحضار شخصيات أصبحت في تضاعيف التاريخ نموذجية، ولو أن شاعرا أتخذ غسان كنفاني قناعا لما حسبناه يفعل شيئا ذا بال، لأن غسان كنفاني شاهد على العصر مثل الشاعر الذي أتخذه قناعا. ولو أن شاعرا أتخذ قناعه من الأشياء، أي لو أنه مثلا أتخذ أبا الهول قناعا، لتحول القناع إلى رمز أسطوري وخرج من هذه الدائرة، التي أتحدث عنها. وأما شاعر المرآة، فإنه يستطيع أن يرفع مرآته أمام أبى الهول، وأن يعكس الصورة التي يريدها، من الزاوية التي يريدها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015