هؤلاء هم السادة المتصرفون يريدون أن يقال لهم أن الأرض لا تدور، وأن قانون التغير قد تعطل إلى الأبد، يريدون أن يسمعوا تزييف الحقائق، ستقول لهم ذلك لأنهم سادة ونحن طنافس يطأونها في قصورهم، ولكن هنالك وجه آخر: هنالك ما قاله الشاعر (المعري) للسلطان ذات يوم فهل تحبون أن تسمعوه؟ لا تريدون؟ إذن فلتسكتوا الشاعر ولتحطموا القيثار، ولكن أن:
الأرض رغم حقدكم تدور
والنور غطى نصفها المهجور
ونحن نلحظ في هذا القناع أن هناك أشياء نألفها من المعري حقا، وأنه؟ مثل البياتي - كان شاهد عصر يحيط به الظلام، ولكن المعري والبياتي كليهما أجبر على تمثيل دور لم يمثلاه، وهو انتسابهما إلى بلاط أمير، ونقدهما للأمير ولبلاطه، ولمن يرتادون بلاطه، كما أننا لا نستطيع أن نفسر لماذا عاد المعري يفكر في الموت بعد أن تخلص الجياع من السلطان (رمز الاستبداد وخنق الحرية) : صحيح أن التفكير في الموت ملائم لطبيعة المعري وشعره، ولكن وروده بعد أن تحقق شيء من التفاؤل إنما يدل على انتكاسة سوداوية وإذا كان السلطان قد صلب في السوق، فلماذا يعود حيا ليقارن بمصطفى؟ عند فقدان العدالة في الحياة؟ - ومرة أخرى لماذا يضطر الشاعر إلى المجاملة ليقول أن الأرض لا تدور، ثم ليثور على هذه المجاملة معلنا أنها تدور؟ أقول: أن هناك جوا يليق بالمعري، كما أن هناك جوا آخر لا يليق به، وثمة تجاوزات فنية؟ حين يراد لهذه القصيدة أن تدرس في نطاق تكاملي - ولكن حضور البياتي أشد وضوحا من حضور المعري، ونقد الحاضر، أعنف من نقد الماضي، ولعله من أجل الغاية الأخيرة وجد القناع، ففي الدورة التاسعة مثلا نجد أن البياتي وهو يعد التفاهات والتافهين قد نسي المعري