وكل ما أعنيه هنا: أن أشد الشعراء أصالة وتفردا، يحور إلى موروث، ويقع في ما يسميه بارت " التذكر "، وأن الانفراد المطلق أمر يعز على أي إنسان، إلا إذا شاء إلا يقيم أية علاقات بين الألفاظ.

ولكن أدونيس يخلق شيئا جديدا دون ريب، في الجزئيات والكليات من شعره، حين يحدث علاقات ودلالات وصورا تحمل وسمة وذاتيته، غير أن هذه هي مهمة الشاعر الحق منذ هوميرس وليس فيها من الجدة إلا ذلك المقدار من إعادة التفسير لطبيعة العلاقة بين الشعر والتراث؟ إذ من الواضح كذلك أن الشعر كان من أبطأ النشاطات الإنسانية وقوفا ضد التراث، أو تنكرا له، بل كان تراثيا إلى حد بعيد، لا في الأدب العربي وحده بل في آداب الأمم الأخرى - فثورة الشعر على اللغة - من حيث هي مؤسسة تراثية - ليست في الحقيقة ثورة على التقليد، إذ التقليد في كل عصر يدين نفسه بنفسه، ولا يستحق ثورة إلا عندما يصبح قاعدة، في أشد عصور الشعر جفافا ومحلا، وإنما هي ثورة على العدة، كما يقول سان جون بيرس؟ ثورة على الجانب غير الحتمي من اللغة، أعني أنها دعوة لخلق عالم شعري مواز لهذا العالم، من خلال إنشاء علاقات تعبيرية وتصويرية جديدة، وهي على ما فيها من طموح بالغ، مرهونة بالنجاح أو بالإخفاق، وبينما تجد لها أنصارا كثيرين، تجد أيضا من ينكرونها، يقول أحد النقاد المحدثين: " يغدو الأدب أكثر حياة وتتدفق الدماء في عروقه كلما أقترب من الكلام، وحين تضيع التقاليد التراثية من الشعر يصبح متقطعا غير استمراري، كأنه معجم ينثر الأسماء دون علاقات، أو انفجارا من كلمات غير متوقعة تتطاير هنا وهناك، ويقف بشراسة ضد المهمة الاجتماعية للغة، بعبارة أخرى: أن الشاعر الحديث الذي يؤمن بالثورة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015