بلاده " الرواق والسرير، الكرسي والرأس، وكل شيء للبيع، النهار والليل، حجر مكة وماء دجلة " ولكنه يدرك كذلك أن تلك المدينة ذات الجسد بلون الإسفلت، تلهث وتسابق في فلسطين وهانوي " أشخاصا لا تاريخ لهم غير النار "، ولا ينسى بيروت ودمشق، وولت ويتمان، ولنكولن وهارلم؟ وغيفارا " الذي نام مع الحرية في فراش الزمن وحين استيقظ لم يجدها "، ثورة عاتية، ولكنها لم تستطع أن تحجب عن عينيه حقيقة مستقرة في أعماقه: " مع ذلك ليست نيويورك لغوا بل كلمة، لكن حين أكتب دمشق لا أكتب كلمة بل أقلد لغوا، دال ميم شين قاف؟ كذلك بيروت القاهرة بغداد لغو شامل كهباء الشمس "، هنا طرفا معادلة، لا قيمة لذكر أحدهما دون الآخر. قد يقال أن أدونيس ثائر على انسحاق الإنسان في ظل هذا الرمز الشامخ، ولكنه أيضا ثائر على ضياع الإنسان الآخر في سديم التخلف.
وإذا تأملنا هذه النماذج؟ غير المستقصاة وأن كانت تعين معالم كبيرة - في موقف الشاعر المعاصر من المدينة، وجدناها تدل على الاتجاهات الآتية:
1 - رد فعل رومنطقي خالص يتفاوت قوة وضعفا بحسب أسباب موصولة بنشأة الشاعر ونفسيته، وعن هذا الاتجاه يتولد خلق مدن مرهومة، أو تضخيم للريف على حساب المدينة.
2 - تشكل المدينة بحسب الانتماء العقائدي أو الوضع النفسي الفردي، فالمدينة " وعاء " لا يتغير، وإنما الذي يتغير هو البنية التركيبية في مؤسساتها السياسية أو انتمائها، من خلال العلاقة بينها وبين الشاعر، أو من خلال أزمة تحول يعانيها الشاعر نفسه.