ولكن: ترى هل تغني صورة السويس الواقعية؟ فنيا - في تصوير تحولها إلى موقف بطولي مأساوي؟! لنقل: أن أمل دنقل واقعي، وواقعيته بريئة من الدعوى، مهما تكن مؤلمة، وأنه يبعدنا عن دائرة الرومنطقية الخانقة بكثرة ما تستدر عواطفنا؟ في كثير من الأحيان - على نحو مثالي كاذب.

حتى هذه اللحظة لم تكن علاقة الشاعر الحديث بالمدينة صدمة حضارية، ولكن هذه الصدمة آتية لا ريب فيها، على نحو طبيعي،، فالشاعر الملتزم إشتراكيا؟ لا يمكن أن يحس بالإنسجام مع المدينة الغريبة - ممثلة الحضارة الغربية - ولهذا فإن المدينة الكبيرة في الغرب قد تصعقه أو تستثير نقمته، وهنا تبدأ معاناة من نوع جديد، يكون فيها رفض المدينة علامة على رفض الحضارة، ولنتذكر كلمة " كبيرة " فإنها مفتاح لهذا الشعور الجديد، ولعل قصيدة البياتي بعنوان " المدينة " أن تكون علامة على هذا الاتجاه، وها أنا اقلها دون حذف (?) :

وعندما تعرت المدينة

رأيت في عيونها الحزينه

مباذل الساسة والصوص والباذق

رأيت في عيونها المشانق

تنصب والسجون والمحارق

والحزن والضياع والدخان

رأيت في عيونها الإنسان

يلصق مثل طابع البريد

في أيما شيء

رأيت الدم والجريمة

وعلب الكبريت والقديد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015