أكانت شرقية أو غربية - وظيفة أخرى، وهي وظيفة وسائطية، إذ هي لا تعدو في هذا الموقف أن تكون " وعاء " حضاريا يستغله الشاعر لتصوير التمزق أو الضياع ويجعله إطارا؟ محض إطار - لفلسفته، فالمدينة هنا ليست مشخصة كما كانت عند السياب أو حجازي، ولا يقف موقف المضاد أو المحاور أو العدو من الشاعر، كما أن الشاعر ليس بحاجة أن يحكم عليها من زاوية عقائدية، وإنما هي مقبولة أو موشحة بالقبول، على نحو واقعي، فبيروت حاوي هي الوعاء الذي يستطيع الذات والفن والغايات،
ويثور الجن فينا
وتغاوينا الذنوب
والجريمه
إن في بيروت دنيا غير دنيا
الكدح والموت الرتيب
إن فيها حانة مسحورة
خمرا، سريرا من طيوب
للحيارى
في متاهات الصحارى
في الدهاليز اللعينة
ومواخير المدينة ".
يحس الشاعر نحو هذا الذي تقدمه بيروت ثورة على بيروت نفسها وإن وصف الدهاليز بأنها " لعينة "، وإنما يحس بالثورة على نفسه لأنه مضطر إلى تقبل هذا الذي تقدمه، ومرة أخرى يلتقي الشاعر بهذه الدهاليز " اللعينه " في لندن حيث يملأ الضباب الرطب كفيه ويتغلغل في حلقه