ويتغير المسرح السياسي بعد قليل فإذا بغداد " مقبرة الغزاة " التي ستبتلع جحافل الفاشست والعبيد، ثم يتغير المنظر مرة أخرى فإذا هي صورة أخرى من بابل:
ملعونة تعج بالذباب والأصغار والحريم
تفتح للغزاة ساقيها وللطغاة؟..
أن بغداد البياتي ليست قيمة ثابتة؟ إلا من حيث حبه العميق لها -، وإنما هي مرآة؟ أو مرايا - للمد والجزر في الحياة السياسية للعراق.
ويشترك الشعراء الملتزمون مع البياتي في اتخاذ المدن مرايا تعكس مواقفهم الأيديولوجية، سواء أكانت هذه المدن عربية أو غير عربية. فالمدن العربية عند قاسم حداد قسمان: في قصيدته " خروج رأس الحسيني من المدن الخائنة ": مدن خائنة تلفها الحيرة كأنها وسم على بطون كل الضفادع (من أهلها) ، ومدن لم تخن (أو هي قصور وأكواخ) :
ونخرج من كل كوخ على أرض هذا الخليج
لندخل كل القصور، ونبني على رسمها قبلة غاضبة
ليزهر ورد الرماد
واللذين يحملون رأس الحسين، (راية الثورة) يسيرون إلى المدن الخائنة، مدن النار، فيحرقون أسوارها ويحترقون، ليرسموا على معاصم الأطفال هنالك " سيرا بلا حيرة " أو صورة التقدم الضروري، دون تخاذل أو تردد. وتتنوع المدن عند حميد سعيد، فهي مدن مهزومة، ومدن خوف، ومدن براق، وفي كل حال ترمز إلى وضع سياسي (أو نفسي) . وكذلك هو حال المدن الأخرى لدى سميح القاسم في قصيدته " اسكندرون في رحلة الداخل والخارج " فقد أنكرته اسطنبول التي تجمع: