هنا النبات لا يزال أخضر الرداء؟

هنا الحقيقة التي لا تعرف التلون المقيت

هنا الدوام والثبوت،

بل حيث الانطلاق والحرية والهواء النقي الذي يستطيع أن يغسل من نفسه دخان المدينة، ولكنه من ناحية أخرى كان قد هادن المدينة، بل لعلها أصبحت لديه هي وحدة الوجود السكاني، فهو إذا ضاق ذرعا بها انتقل من مدينة إلى أخرى، يذرع " المدن الشماء "، أنه لم يحاول أن يخدع نفسه عن من يمثلون الجانب الزائف في المدينة:

اللغة المطاط والمضحك والمروض المفسر المصفق

المشخص المحترف الهاوي المناور المداور العظيم

ولكنه لم يعد بهم كثيرا لأنه أقفل عليهم صندوقا وألقى بهم إلى الجحيم، وحين أدخله الفدائيون الغابة التي يتدربون فيها، رأى القاهرة نفسها، وأحس بالرابطة الصحيحة التي تشده إلى أمته، وأدرك أن بعض الزيف في المدينة لا يمكن أن يحجب وجه الحقيقة الخيرة للإنسان، وإذا لم يستطع حجازي أن يصل إلى مرحلة الانسجام الكلي مع المدينة، فإنه على الأقل لم يعد يعاني تجاهها " عقدة " عاطفية.

لقد وجد حجازي القرية حين عرف المدينة، فهو يصور المدينة ويمعن في تصويرها لتبرز من خلال مساوئها وعيوبها محاسن القرية وفضائلها، وقد عكس محمد عفيفي مطر هذا الوضع بعض الشيء حين جعل محور ارتكازه هو القرية نفسها، أنه يعرف المدينة، ويعيش حياتها اليومية، ويجد في ليلها ونهارها الوحدة الممضة، إلا أنه معقود النفس بالقرية، بالخضرة والطمي والغرين والنهر وشجرة الجميز وشجرة الصفصاف، ويصرخ في وجد يشبه وجد السياب:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015