" مدينتي "؟ هكذا بياء الإضافة - إذا عز أن يحددها بالتسمية، وفي هذه الصيغة يتجاوز النفور والحب تجاوزا لا انفكاك له. ويمثل بلند قمة النفور من كل ما يسمى مدينة، حتى لينفر من قريته نفسها، ويرفض العودة إليها، حين تحولت إلى مدينة:

لا لن أعود

لمن أعود وقريتي أمست مدينة؟!

أما أسباب نفوره من المدينة فلأنه يخشى ضياع خطواته في شوارعها الكبيرة، وانسحاقه في الأزقات الضريرة، وخوفه من وحشة الليل، ورعبه من عدم وجود صديق، أي الاغتراب والعزلة والخوف من الاستسلام للوحدة) . وأما السياب فإنه لم يستطع أن ينسجم مع بغداد لأنها عجزت أن تمحو صورة جيكور أو تطمسها في نفسه (لأسباب متعددة) فالصراع بين جيكور وبغداد، جعل الصدمة مزمنة، حتى حين رجع السياب إلى جيكور ووجدها قد تغيرت لم يستطع أن يحب بغداد أو أن يأنس إلى بيئتها، وظل يحلم أن جيكور لا بد أن تبعث من خلال ذاته، (وقد بعثت رغم أندثارها لأنه خلدها في شعره، ومنحها وجودا لا يبيد) ، وحين تحدث السياب عن جيكور التي شاخت، كان يرثي الماضي كله ويرثي نفسه وهو يستشرف الموت:

آه جيكور، جيكور؟

ما للضحى كالأصيل

يسحب النور مثل الجناح الكليل

ما لأكواخك المقفرات الكئيبه

يحبس الظل فيها نحيبه

أين أين الصبايا يوسوسن بين النخيل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015