ومن السهل أن نجد العلة في استعمال هذه الصور، فالمدينة في اللغة " مؤنثة "، وفي معظم الأحيان كانت حركة التاريخ ضد المدن فتحا واجتياحا واغتصابا لها ولنسائها ولمواردها وهي ما تزال كذلك إلى اليوم، ثم أن الشاعر الحديث يألف الصور الجنسية، في زمن يشيع فيه الاغتصاب في المدن الكبرى، كما تشيع الدعوة إلى الانطلاق التام من القيود المتصلة بالجنس، ولذلك يجد هذه الصورة قريبة المنال والأداء، مع أنه ليس من الضروري دائما (إلا حيث يفرض الجو الفني ذلك) ملاحظة المدينة من هذا المنظور، ذلك أن تكرر الصورة؟ على هذا النحو يجعلها مبتذلة، مع الزمن.
أن النفور من المدينة والحنين إلى الريف؟ ممتزجا مع الحنين إلى الأم وإلى الطفولة؟ نزعة رومنطقية أصيلة، وقد وجدت لها تعبيرات مختلفة في الأدب العربي في هذا القرن، كما وجدت لها بدائل أخرى في الحنين إلى الماضي الذهبي أو في العودة إلى الطبيعة؟ الغاب - (عند المهجرين) أو التشوف إلى يوتوبيا (كما رأينا عند نازك) ، أو في خلق مدن مسحورة تغني الشاعر عن مدينة الواقع المليئة بالآلام والعذاب، تلك هي المدينة المسحورة التي يصورها البياتي في قوله:
مدينة مسحورة
قامت على نهر من الفضة والليمون
لا يولد الإنسان في أبوابها الألف ولا يموت
يحيطها سور من الذهب
تحرسها من الرياح غابة الزيتون،
هذه المدينة المسحورة هي التي كان يبحث عنها أبطال الأساطير في الأدب العربي (مدينة النحاس؟ الخ) ومن