كانت صورة بغداد عند السياب إنها " مبغى كبير "، ولا غرابة في هذا الشعور لدى شاعر كانت من أول التجارب الشعرية لديه قصيدة " المومس العمياء " وقصيدة " حفار القبور "، ثم ازداد هذا الشعور حدة؟ على الأيام - بسبب الخيبة في العمل المناسب وفي قضايا الحب والانتماء الأيديولوجي وغير ذلك من محبطات.
أن تصور الشاعر الحديث للمدينة في صورة امرأة؟ ثم في صورة امرأة متعهرة - يكاد يكون قسطا مشتركا بين عدد كبير من الشعراء، وهي صورة ليست جديدة بل هي متوفرة في الأدب القديم والوسيط، ويستوي عند الشاعر الحديث أن تكون المدينة قائمة تنتسب إلى العصر الحديث، أو ممثلة لحضارة قديمة. والشاعر الحديث يحدد المدينة التي يتحدث عنها باسمها؟ غالبا - فهي بغداد أو بيروت أو دمشق أو القاهرة، ولا يتحدث عن " المدينة " بإطلاق، إلا نادرا. وفي هذا ما يؤكد أن الصدمة الناجمة عن لقائه بها ليست ثورة الحضارة أو كرها لها، بل هي صدمة علاقة بين ذاتين.
فدمشق أدونيس امرأة، إلا أنها كثيرا من صفات المجتمع العربي عامة، تلك الصفات التي يحاول أدونيس أن يحطمها (وبذلك تختلف غايته من حديثه عن المدينة عن غايات الشعراء الآخرين) :
يا امرأة الرفض بلا يقين
يا امرأة القبول
يا امرأة الضوضاء والذهول
يا امرأة مليئة العروق بالغابات والوحول
أيتها العارية الضائعة الفخذين يا دمشق