وأخلاقياته وعاداته، وينسى أن المدينة منحته حرية فردية كبيرة وخلصته من أسر العادات الرتيبة وقبضتها الوثيقة، ذلك لأنها؟ مقابل هذه الحرية - قد حفزت أعصابه إلى حد " العصاب " بضجيجها وعجيجها، ووضعته في خوف مستمر من الجريمة، وفي معاناة ضميرية إزاء فئات المومسات والقوادين والمنحرفين والسكارى ومدمني المكيفات والضائعين من الأطفال والمتسولين والنشالين والطفيليين، وفي سخط دائم على تعقيدات البيروقراطية، والرشوة والوساطة و " الأتكيت " الاجتماعي المشوب بكثير من النفاق، وفي قمة ذلك كله يتولد لديه شعور بالاغتراب والعزلة وإحساس بفقدان الحرارة في العلاقات الاجتماعية جملة.

وقد ذهب كثير من علماء الاجتماع إلى أن كثيرا من الإحباطات التي يحس بها ساكن المدينة إنها هي نتيجة صراع أساسي بين القيم: بين الذات والمجموع، بين الحرية والسلطة، بين التنافس الحاد والمحبة الأخوية؟.الخ، وأن الفرد يحس أن قيما عزيزة على نفسه قد تحولت عن طبيعتها، وفي النفور من هذا الوضع يحاول المرء أن يجد لنفسه مهربا أو مسربا، وإذا كان ساكن المدينة يحس بذلك كله فإن المهاجر اليها من الريف لا يملك إلا أن يكون أحساسه به حادا طاغيا.

ولا أود أن استرسل في هذا المنحى، إذ لست أقصد إلى دراسة المدينة من الزاوية الاجتماعية، وإنما الذي يهمني هنا كيف تنعكس صورة المدينة لدى الشاعر الحديث، على أساس من فهم اجتماعي دقيق، وتكاد أن تكون الصدمة الأولى التي يعكسها هذا الشاعر أن تكون متصلة بفقدان " النقاء " المعنوي في المدينة، يوازيها حنين عميق إلى صفاء الريف وبعده عن الرذائل، وفي مقدمتها جسد المرأة، ولهذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015