تجري على قافية في الصدر وقافية في العجز، وهو أمر يوحي بالتزمت في التزام نغمتين على طول المقطوعة، وأما الثانية فإنها رغم إفساح القافية في كل مقطوعة منها؟ على حدة - ترسف قس قيود التكرار بحيث تجيء كل مقطوعة مشابهة للأخرى في ما التزمته من تقفية (?) .
ومن الغريب أن ريح الثورة لم تهب من هذا المنطلق، أعني منطلق الصراع بين الفهم والإيحاء، وبين بعد الاستعارات أو قربها، وإنما انبعثت لتحطم تلك الإنضباطية في الشكل، سواء أكان ذلك الشكل قائما على شطرين أو على أساس توشيحي متنوع متكرر، كالذي تمثله القصيدتان، وكأنما كان الشعر يفتش عن طريقة تخلصه من الشكل الصارم، في القصيدة والموشح على السواء، وتمنح العبارة امتدادا والتصوير استقصاء دون التخلي عن نوع الإيقاع المنظم بادئ ذي بدء -. وقد أصبح من المعروف أن الرواد العراقيين: نازك والسياب والبياتي كانوا هم رسل هذه الثورة بتأثير من الشعر الإنكليزي، وكانت ثورتهم في شكلها الأولي تمثل تخلصا من رتابة القافية الواحدة (دون الاستغناء عن القافية تماما) وتنويعا في عدد التفعيلات في السطر الواحد (دون مبارحة الإيقاع المنظم) ، وليس من هم هذا البحث الموجز رصد المحاولات السابقة في تاريخ الشعر العربي للتخلص من أسر الشكل الصارم، وإنما الذي يميز هذه الحركة عن كل ما سبقها أن اعتمادها للشكل الشعري الجديد أصح مذهبا لا استطرافا، وأن إيمانها بقيمة هذا التحول كان شموليا لا محدودا، وأن أفرادها في حماستهم لهذا الكشف الجديد رأوا وما زالوا يرون؟ عدا استثناءات قليلة - أن هذا الشكل يصلح دون ما عداه وعاء لجمع أنواع التجربة الإنسانية إذا أريد التعبير عنها بالشعر.