بدلا. ولا الساكن يبغي عن منزله حولا وعلى الجملة يجيئك من هذا الأسلوب بما هو المثل الأعلى في صناعة البيان"1.
خلاصة الأمر أن هذا البيان القرآني يجمع أمورا جملتها النظم الفريد العجيب الحسن المخالف لأساليب العرب، والصور البيانية التي تؤلف أبدع تأليف بين أفصح الألفاظ الجزلة وأصح المعاني الحسنة"2.
هذه الأمور هي التي اتجهت إليها همة طائفة من المفسرين وأولوها اهتماما واتسعت الدراسات حولها وكثرت، ولئن كان للعصر الحديث منها نصيب كبير فإن جذورها تمتد إلى عصر نزول القرآن الكريم.
وقد حسب بعض المؤرخين للمنهج البياني في التفسير خلو صدر الإسلام منه وتجاوزه إلى ما بعده حين ظهرت المصطلحات البلاغية في صدر العصر العباسي هم يحسبون أن معرفة البيان القرآني فرع عن معرفة "المصطلحات البلاغية" وفاتهم أن قوم الفطرة قد درسوا القرآن دراسة من يعرف مناحي البيان وإن فاتهم معرفة مصطلحاته التي ظهرت من بعدهم فهم يعرفون مناحي الإيجاز والإطناب ومواضع الحقيقة والمجاز وقد كفانا الجاحظ مؤنة الرد على من أنكر ذلك فقال: "فإذا زعم زاعم أنه لم يكن في كلامهم تفاضل ولا بينهم في ذلك تفاوت فلم ذكروا العي والبكئ والحصر والمفحم، والخطل، المسهب والمتشدق والمتفقه والهماز والثرثار والمكثار والمهماز؟ ولم ذكروا الهجر والهذر والهذيان والتخليط؟ وقالوا: رجل تلفاعة وتلهاعة وفلان يتلهيع في خطبته. وقالوا: فلان يخطئ في جوابه، ويحيل في كلامه، ويناقض في خبره ولولا أن هذه الأمور قد كانت تكون في بعضهم دون بعض لما سمي ذلك البعض والبعض الآخر بهذه الأسماء"3.
ولا شك أن هذه الأوصاف والمسميات التي ذكرها الجاحظ ترسم الجو