مظنة المشقة، يشق فيه غالبًا كل ما يؤتى في حضر بسهولة، وأشق ما يشق فيه الغسل والوضوء وإن كان الماء حاضرًا مستغنى عنه.
وأضرب لهم مثلًا هذا الجواري المنشآت في البحر كالأعلام، فإن الماء فيها كثير دائمًا، في كل باخرة منها حمامات؛ أي: بيوت مخصوصة للاغتسال بالماء الساخن والماء البارد؛ ولكنها خاصة بالأغنياء الذين يسافرون بالدرجة الأولى والثانية، وهؤلاء الأغنياء منهم مَن يصيبه دوار شديد يتعذر عليه معه الاغتسال، أو خفيف يشق معه الاغتسال ولا يتعذر، فإن كانت هذه السفن التي يوجد فيها من الماء المعد للاستحمام ما لم يكن يوجد مثله في بيت أحد من أهل المدينة زمن التنزيل يشق فيه الاغتسال أو يتعذر، فما قولك في الاغتسال في قطارات سكك الحديد أو قوافل الجمال والبغال؟ "1.
ولا شك أن هذه مغالطة من الشيخ محمد رشيد رضا؛ ذلكم أنه جعل السفر هو المبيح للتيمم لمن أصابه الدوار الشديد الذي يتعذر معه الاغتسال، ومصدر المغالطة أنه تجاهل -ولا أظنه يجهل - أن الدوار الشديد مرض أباح لصاحبه التيمم إذا كان استعمال الماء يزيده مشقة أو ضررًا، فالعذر هنا المرض وليس السفر، ومن المجمع عليه عند الفقهاء أن المرض من مبيحات التيمم ولو مع وجود الماء إذا كان يلحقه ضرر باستعماله الماء، أما المسافر الذي يجد الماء ولا يضره استعماله، فليس له أن يتيمم؛ ولهذا فلا يصح له أن يستدل بالمسافر المريض بالدوار الشديد الذي يضره استعمال الماء على إباحة التيمم لمجرد السفر.
ومن العجيب أن الشيخ محمد عبده وتلميذه السيد رشيد رضا لم يستندا في تفسيرهما هذا إلى سُنة نبوية؛ وإنما إلى الرأي المجرد من الدليل؛ بل والأسوأ من هذا أن السيد رشيد رضا وصف سائر الروايات المصرحة بالتيمم في السفر لفقد الماء بأنها منقولة بالمعنى "!! " وأنها لا تنهض دليلًا، وأن مفهومها مفهوم مخالفة، وأنه غير معتبر عند الجمهور "!! " مع اعترافه أن الجمهور قالوا بخلاف رأيه.
ولذلك فلا عجب أن يغفل "جماهير الفقهاء" عن هذا المفهوم؛ ولكن السيد رشيد رضا يعجب من هذا فيقول: