فوجدت المعنى واضحًا جليًّا، فالقرآن أفصح الكلام وأبلغه وأظهره، وهو لا يحتاج عند مَن يعرف العربية -مفرداتها وأساليبها- إلى تكلفات فنون النحو1 وغيره من فنون اللغة عند حافظي أحكامها من الكتب مع عدم تحصيل مَلَكَةِ البلاغة"2.
وقد أراد السيد رشيد رضا أن يؤيد ما ذهب إليه شيخه محمد عبده بأسلوب جديد في التأييد؛ فجعل ما فهمه من الآية أمرًا مسلمًا واضحًا عنده وعند خصومه، وإنما منعهم من القول به مخالفة المذاهب المعروفة لا عدم اقتناعهم بما قاله هو وأستاذه، فقال: "سيقول أدعياء العلم من المقلدين: نعم، إن الاية واضحة المعنى كاملة البلاغة على الوجه الذي قررتم؛ ولكنها تقتضي عليه أن التيمم في السفر جائز ولو مع وجود الماء، وهذا مخالف للمذاهب المعروفة عندنا، فكيف يعقل أن يخفى معناها هذا على أولئك الفقهاء المحققين، ويعقل أن يخالفوها من غير معارض لظاهرها أرجعوها إليه.
ولنا أن نقول لمثل هؤلاء -وإن كان المقلد لا يحاج؛ لأنه لا علم له-: وكيف يعقل أن يكون أبلغ الكلام وأسلمه من التكلف والضعف معضلًا مشكلًا؟ وأي الأمرين أَوْلَى بالترجيح: الطعن ببلاغة القرآن وبيانه لحمله على كلام الفقهاء، أم تجويز الخطأ على الفقهاء؛ لأنهم لم يأخذوا بما دل عليه ظاهر الآية من غير تكلف، وهو الموافق الملتئم مع غيره من رخص السفر التي منها قصر الصلاة وجمعها، وإباحة الفطر في رمضان؟ فهل يستنكر مع هذا أن يرخص للمسافر في ترك الغسل والوضوء -وهما دون الصلاة- والصيام في نظر الدين؟ أليس من المجرب أن الوضوء والغسل يشقان على المسافر الواجد للماء في هذا الزمان الذي سهلت فيه أسباب السفر في قطارات السكك الحديدية والبواخر؟ أفلا يتصور المنصف أن المشقة فيها أشد على المسافرين على ظهور الإبل في مفاوز الحجاز وجبالها؟ هل يقول منصف: إن صلاة الظهر أو العصر أربعًا في السفر أسهل من الغسل أو الوضوء فيه؟ 3 السفر