ثم انجلى موقفه ورأيه أكثر عندما لم يستبعد أن تكون الملائكة هي تلك النوازع التي نحس بها عندما نتردد بين فعل شيء أو تركه، وهذا لعمري جُرأة على علم الغيب، قال: "يشعر كل من فكر في نفسه، ووازن بين خواطره، عندما يهم بأمر فيه وجه للحق أو للخير، ووجه للباطل أو للشر، بأن في نفسه تنازعًا؛ كأن الأمر قد عرض فيها على مجلس شورى، فهذا يورد وذاك يدفع، واحد يقول: افعل، وآخر يقول: لا تفعل؛ حتى ينتصر أحد الطرفين، ويترجح أحد الخاطرين، فهذا الشيء الذي أودع في أنفسنا ونسميه قوة وفكرًا -وهو في الحقيقة معنى لا يدرك كُنهه، وروح لا تكنته حقيقتها- لا يبعد أن يسميه الله تعالى ملَكًا "أو يسمي أسبابه ملائكة" أو ما شاء من الأسماء، فإن التسمية لا حجر فيها على الناس، فكيف يحجر فيها على صاحب الإرادة المطلقة والسلطان النافذ والعلم الواسع"1.

ثم بعد أن قرر هذا التأويل المنحرف للملائكة انتقل إلى تطبيق هذا في آيات القرآن، ولم يستبعد في تفسيره لها ما ذكره آنفًا؛ حيث قال في تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} 2، قال: "فإذا صح الجري على هذا التفسير فلا يستبعد أن تكون الإشارة في الآية إلى أن الله تعالى لما خلق الأرض، ودبرها بما شاء من القوى الروحانية التي بها قوامها ونظامها، وجعل كل صنف من القوى مخصوصًا بنوع من أنواع المخلوقات، لا يتعداه، ولا يتعدى ما حدد له من الأثر الذي خص به، خلق بعد ذلك الإنسان وأعطاه قوة يكون بها مستعدًا للتصرف بجميع هذه القوى وتسخيرها في عمارة الأرض، وعبر عن تسخير هذه القوى له بالسجود الذي يفيد معنى الخضوع والتسخير، وجعله بهذا الاستعداد الذي لا حد له، والتصرف الذي لم يعطَ لغيره خليفة الله في الأرض؛ لأنه أكمل الموجودات في هذه الأرض، واستثنى من هذه القوى قوة واحدة عبر عنها بإبليس، وهي القوة التي تعارض في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015