إتباع الحق، وتصد عن عمل الخير، وتنازع الإنسان في صرف قواه إلى المنافع والمصالح التي تتم بها خلافته؛ فيصل إلى مراتب الكمال الوجودي التي خُلق مستعدًّا للوصول إليها"1.
وقد التمس السيد رشيد عذرًا لشيخه الأستاذ محمد عبده بـ"أن غرض الأستاذ من هذا التأويل -الذي عبر عنه بالإيماء وبالإشارة- إقناع منكري الملائكة بوجودهم بتعبير مألوف عندهم تقبله عقولهم، وقد اهتدى به كثيرون، وضل به آخرون؛ فأنكروا عليه، وزعموا أنه جعل الملائكة قوى لا تعقل"2.
والحق أن الشيخ محمد عبده قد أقنع -فعلًا- منكري الملائكة بتعبير مألوف عندهم؛ لكن ليس بوجودهم؛ وإنما بوجود قوى لم يكونوا ينكرونها من قبل، وليست هي مثار الجدل، وما زالت القضية جارية؛ فصار كمن أراد أن يقنع منكر وجود زيد في الدار فلج به في الجدل حتى أقنعه بوجود عمرو -الذي لم ينكره من قبل- وسماه زيدًا! وما هو بزيد المراد.
وكان الشيخ في غنى عن كل هذا لو فَوَّض حقيقتها إلى الله سبحانه، واكتفى بالنصوص الواردة في ذلك وقال: آمنا به كل من عند ربنا؛ لكنه لا يرتضي هذا الموقف؛ بل يعده قصورًا عند قائله؛ حيث يقول: "فإن لم تجد في نفسك استعدادًا لقبول أشعة هذه الحقائق، وكنت ممن يؤمن بالغيب، ويفوض في إدراك الحقيقة ويقول: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} فلا ترمِ طلاب العرفان بالريب ما داموا يصدقون بالكتاب الذي آمنت به، ويؤمنون بالرسول الذي صدقت برسالته، وهم في إيمانهم أعلى منك كعبًا، وأرضى منك بربهم نفسًا"3.
وليس لنا أن نقول إلا أن آمنا به كل من عند ربنا، وأمرهم إلى الله، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الجن:
وشأن الجن كشأن الملائكة؛ من حيث الاعتقاد بوجودهم وصفاتهم، كلاهما