"أما الملائكة فيقول السلف فيهم أنهم خلق أخبرنا الله تعالى بوجودهم وببعض عملهم، فيجب علينا الإيمان بهم، ولا يتوقف ذلك على معرفة حقيقتهم فنفوض علمها إلى الله تعالى، فإذا ورد أن لهم أجنحة نؤمن بذلك؛ ولكننا نقول: إنها ليست أجنحة من الريش ونحوه كأجنحة الطيور؛ إذ لو كانت كذلك لرأيناها، وإذا ورد أنهم موكلون بالعوالِم الجسمانية كالنبات والبحار، فإننا نستدل بذلك على أن الكون عالَمًا آخر ألطف من هذا العالم المحسوس، وأن له علاقة بنظامه وأحكامه، والعقل لا يحكم باستحالة هذا؛ بل يحكم بإمكانه لذاته، ويحكم بصدق الوحي الذي أخبر به".

أما الرأي الثاني في الملائكة فقد ذكره الأستاذ الإمام محمد عبده ناقلًا في أول الأمر وحاكيًا؛ لكنه لم يلبث أن أيده وحبذه ودافع عنه؛ بل زعم أنه لا فرق بينه وبين رأي السلف؛ حيث قال عن هذا الرأي: "وذهب بعض المفسرين مذهبًا آخر في فَهْم معنى الملائكة؛ وهو أن مجموع ما ورد في الملائكة من كونهم موكلين بالأعمال؛ من إنماء نبات، وخلقة حيوان، وحفظ إنسان، وغير ذلك وغير ذلك، فيه إيماء إلى الخاصة بما هو أدق من ظاهر العبارة؛ وهي أن هذا النمو في النبات لم يكن إلا بروح خاص نفخه الله في البذرة؛ فكانت به هذه الحياة النباتية المخصوصة، وكذلك يقال في الحيوان والإنسان، فكل أمر كلي قائم بنظام الخصوص تمت به الحكمة الإلهية في إيجاده، فإنما قوامه بروح إلهي، سمي في لسان الشرع ملَكًا، ومن لم يبال في التسمية بالتوقيف يسمي هذه المعاني القوة الطبيعية، إذا كان لا يعرف من عالم الإمكان إلا ما هو طبيعة أو قوة يظهر أثرها في الطبيعة.

والأمر الثابت الذي لا نزاع فيه هو أن في باطن الخلقة أمرًا هو مناطها، وبه قوامها ونظامها، لا يمكن لعاقل أن ينكره، وإن أنكر غير المؤمن بالوحي تسميته ملَكًا، وزعم أنه لا دليل على وجود الملائكة، أو أنكر بعض المؤمنين بالوحي تسميته قوة طبعيية أو ناموسًا طبيعيًّا؛ لأن هذه الأسماء لم ترد في الشرع، فالحقيقة واحدة، والعاقل مَن لا تحجبه الأسماء عن المسميات"1.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015