الإماتة، قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} 1، وقال: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} 2، فالمتبادر3 في الآية: إني مميتك وجاعلك بعد الموت في مكان رفيع عندي، كما قال في إدريس عليه السلام: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} 4، 5.
ثم قال: "هذا ما يفهمه القارئ الخالي الذهن من الروايات6 والأقوال؛ لأنه هو المتبادر من العبارة، وقد أيدناه بالشواهد من الآيات؛ ولكن المفسرين7 قد حوَّلوا الكلام عن ظاهره؛ لينطبق على ما أعطتهم الروايات من كون عيسى رفع إلى السماء بجسده، وهاك ما قاله الأستاذ الإمام في ذلك".
ثم نقل تأويل الشيخ عبده لهذه الآية بقوله: "يقول بعض المفسرين: {إِنِّي مُتَوَفِّيك} أي: منومك، وبعضهم: إني قابضك من الأرض بروحك وجسدك، {وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} بيان لهذا التوفي، وبعضهم: إني أنجيك من هؤلاء المعتدين؛ فلا يتمكنون من قتلك، وأميتك حتف أنفك، ثم أرفعك إليَّ. ونسب هذا القول إلى الجمهور، وقال: للعلماء ههنا طريقتان؛ أحدهما: وهي المشهورة أنه رفع حيًّا بجسمه وروحه، وأنه سينزل في آخر الزمان فيحكم بين الناس بشريعتنا، ثم يتوفاه الله تعالى، ولهم في حياته الثانية على الأرض كلام طويل معروف، وأجاب هؤلاء عما يرد عليهم من مخالفته القرآن في تقديم الرفع على التوفي بأن الواو لا تفيد ترتيبًا، أقول: وفاتهم أن مخالفة الترتيب في الذكر للترتيب في الوجود لا يأتي في الكلام البليغ إلا لنكتة، ولا نكتة هنا لتقديم التوفي على الرفع؛ إذ الرفع هو الأهم لما فيه من البشارة بالنجاة ورفعة المكان "قال"والطريقة الثانية: أن الآية على ظاهرها