وأن التوفي على معناه الظاهر المتبادر وهو الإماتة العادية، وأن الرفع يكون بعده وهو رفع الروح، ولا بدع في إطلاق الخطاب على شخص وإرادة روحه؛ فإن الروح هي حقيقة الإنسان، والجسد كالثوب المستعار، فإنه يزيد وينقص ويتغير، والإنسان إنسان لأن روحه هي هي "قال" ولصاحب هذه الطريقة في حديث الرفع والنزول في آخر الزمان تخريجان:
أحدهما: أنه حديث آحاد متعلق بأمر اعتقادي؛ لأنه من أمور الغيب، والأمور الاعتقادية لا يُؤخذ فيها إلا بالقطعي؛ لأن المطلوب فيها هو اليقين، وليس في الباب حديث متواتر.
وثانيهما: تأويل نزوله وحكمه في الأرض بغلبة روحه وسر رسالته على الناس، وهو ما غلب في تعليمه من الأمر بالرحمة والمحبة والسلم، والأخذ بمقاصد الشريعة دون الوقوف عند ظواهرها، والتمسك بقشورها دون لبابها، وهو حكمتها وما شُرعت لأجله، فالمسيح -عليه السلام- لم يأتِ لليهود بشريعة جديدة؛ ولكنه جاءهم بما يزحزحهم عن الجمود على ظواهر ألفاظ شريعة موسى -عليه السلام- ويوقفهم على فقهها والمراد منها، ويأمرهم بمراعاته وبما يجذيهم إلى عالم الأرواح بتحري كمال الآداب، ولما كان أصحاب الشريعة الأخيرة قد جمدوا على ظواهر ألفاظها؛ بل وألفاظ من كتب فيها معبرًا عن رأيه وفهمه، وكان ذلك مزهقًا لروحها ذاهبًا بحكمتها كان لَا بُدَّ لهم من إصلاح عيسوي يبين لهم أسرار الشريعة ورُوح الدين وأدبه الحقيقي، وكل ذلك مطوي في القرآن الذي حجبوا عنه بالتقليد الذي هو آفة الحق، وعدو الدين في كل زمان، فزمان عيسى -على هذا التأويل- هو الزمان الذي يأخذ الناس فيه بروح الدين والشريعة الإسلامية لإصلاح السرائر من غير تقيد بالرسوم والظواهر"1.
والسيد رشيد استند في صرف لفظ الرفع عن معناه الحقيقي إلى معناه المجازي إلى ما حسبه من النصوص مساويًا لقوله تعالى: {وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} 2، {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} 3؛ فاستدل بقوله تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} 4، ونحو ذلك.