وقد حرصت في التفسيرين اللذين درسناهما في التصوف وهما: بيان السعادة في مقامات العبادة، وضياء الأكوان في تفسير القرآن: أن يكون أولهما من النوع الأول في التفسير الرمزي وهو التفسير الذي يكثر فيه الألفاظ الغامضة والطلاسم والاصطلاحات، وأن يكون ثانيهما من النوع الثاني فيه وهو ما تكثر فيه عبارات العشق والشوق، حيث جعل الحج عند العارفين حج الروح إلى القلب الذي هو بيت الله العامر وليس إلى بيت الخليل؟! وزعم حلاوة المعاني راحا طهورا من شربها هام في الحبيب, وجعل الذكر ترديد: الله الله حتى يشرق عليك نور الاسم, وجعل شهادة الأولياء بقتلهم بسيوف المحبة وسهام مخالفة النفس ونحو ذلك.
وقد حان وقت صلاة الظهر وأنا في مكتبة أحدهم في بلد إسلامي وعدت بعد أدائها والرجل لا يزال في مكانه, وحين سألته: لِمَ لم يصلِّ؟ اكتفى بضحكة أحسبها ساخرة وكأنه يقول كما وصفهم الغزالي في النص السابق: "إنه قام بالوصال المغني عن الأعمال الظاهرة" أما وصاله فقد امتلأت كتبه بشنيع الأقوال, فهو يزعم حب الإله فينادي إلهه بقوله: "أحببتك حبا لا يعدله حب مخلوق لك, اللهم سوى مصطفاك وحده الذي خلقته بالحب ومن الحب وفي الحب" ثم ندم على هذا الاستثناء فأعاده بدونه: "لقد أحببتك يا مولاي حبا لا يساويه حب أحد قبلي, ولن يدانيه حب أحد بعدي"1.
وهو يزعم أنه رأى الله لا في صنعه, بل في الحقيقة وعلى الحقيقة فقال: إلهي لم أرد أني رأيتك في صنعك وفي إبداعك وفيما أنشأته في ملكك وتنشئه في ملكوتك فحسب, فهذا ما تراه البهم والعجماوات بل رأيتك في الحقيقة: على الحقيقة"2.
ذكرني هذا بقول الغزالي عنهم: وصال مغن عن الأعمال الظاهرة وادعاء المشاهدة بالرؤية.