ولهذا جعل الصوفية معجما خاصا باصطلاحات حتى هم أنفسهم لا يعرفون بعضها ويحذرون المريد من الشك فيما لا يفهمه من طلاسمهم, وهذا النوع هو الذي أراده الإمام الغزالي في الصنف الثاني من الشطح عند الصوفية, حيث قال عنه: "كلمات غير مفهومة لها ظواهر رائعة وفيها عبارات هائلة, وليس وراءها طائل, وتلك إما أن تكون غير مفهومة عند قائلها بل يصدرها عن خبط في عقله وتشويش في خياله لقلة إحاطته بمعنى كلام قرع سمعه, وهذا هو الأكثر وإما أن تكون مفهومة له ولكنه لا يقدر على تفهيمها وإيرادها بعبارة تدل على ضميره لقلة ممارسته للعلم وعدم تعلمه طريق التعبير عن المعاني بالألفاظ الرشيقة, ولا فائدة لهذا الجنس من الكلام إلا أنه يشوش القلوب ويدهش العقول ويحير الأذهان أو يحمل على أن يفهم منها معانٍ ما أريدت, ويكون فهم كل واحد على مقتضى هواه وطبعه"1.
هذه ناحية من ناحيتين يؤدي إليهما التفسير الذي يقوم على الوجد, والذوق.
أما الناحية الثانية فهو ما زعموه من الحب لله وتفريغ القلب من سواه والعشق والهيام, وقسموا أنفسهم حسب تفاوتهم في هذا إلى مراتب, وأعلاها مرتبة الفناء, وهي أن ينتهي سلوكه إلى الله تعالى في الله يستغرق في بحر التوحيد والعرفان بحيث تضمحلّ ذاته في ذاته وصفاته في صفاته, ويغيب عن كل ما سواه ولا يرى في الوجود إلا الله, وهو الذي يسمونه: الفناء في التوحيد"2.
وقد مر بنا أن الغزالي عدّ هذا النوع من شطح الصوفية وأنها "الدعاوى الطويلة العريضة في العشق مع الله تعالى والوصال المغني عن الأعمال الظاهرة, حتى ينتهي قوم إلى دعوى الاتحاد وارتفاع الحجاب والمشاهدة بالرؤية والمشافهة بالخطاب, فيقولون: قيل لنا: كذا وقلنا: كذا"3.