كثيرا مما هو عليه، ويا أبا محمد قد رمقته فرأيتني إذا غضبت على الرجل في الشيء أراني الرضا عنه وإذا لنت أراني الشدة عليه لا تذكر يا أبا محمد مما قلت لك شيئا، قال: نعم.
ثم دعا عثمان بن عفان فقال: يا أبا عبد الله أخبرني عن عمر، قال: أنت أخبر به، فقال أبو بكر: علي ذلك يا أبا عبد الرحمن، قال: اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته وأن ليس فينا مثله.
قال أبو بكر: يا أبا عبد الله لا تذكر مما ذكرت لك شيئا، قال: أفعل، فقال أبو بكر: لو تركته ما عدوتك وما أدري لعله تاركه والخيرة له أن لا يلي من أموركم شيئا ولوددت أني كنت خلوا من أموركم وأني كنت فيمن مضى من سلفكم، يا أبا عبد الله لا تذكر مما قلت لك من أمر عمر ولا مما دعوتك له شيئا.
ودخل على أبي بكر طلحة بن عبيد الله، فقال: استخلفت على الناس عمر وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه فكيف به إذا خلا بهم وأنت لاق ربك فسائلك عن رعيتك؟ فقال أبو بكر: وكان مضطجعا أجلسوني، فأجلسوه، فقال طلحة: أبالله تفرقني أو بالله تخوفني إذا لقيت الله ربي فساءلني قلت: استخلفت على أهلك خير أهلك؟
وأشرف أبو بكر على الناس من حظيرته وأسماء بنت عميس ممسكته موشومة اليدين وهو يقول:
أترضون بمن أستخلف عليكم فإني والله ما ألوت1 من جهد الرأي ولا وليت ذا قرابة وإني قد استخلفت عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا فقالوا: سمعنا وأطعنا.
قال الواقدي: دعا أبو بكر عثمان خاليا، فقال له أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين، أما بعد ثم أغمي عليه فذهب عنه، فكتب عثمان: أما بعد فإني أستخلف عليكم عمر بن الخطاب ولم آلكم خيرا ثم أفاق أبو بكر فقال: اقرأ علي فقرأ عليه فكبر أبو بكر وقال:
أراك خفت أن يختلف الناس إن مت في غشيتي2 قال: نعم، قال: جزاك الله خيرا عن الإسلام وأهله وأقرها أبو بكر رضي الله عنه من هذا الموضع3، فأبو بكر كان يرى ويعتقد أن عمر بن الخطاب خير من يتولى الخلافة بعده مع شدته، والحقيقة أنه كان كذلك.