كان امبراطور الروم يبعث إلى القبائل العربية في جنوبي فلسطين إعانة مالية سنوية غير أنه اضطر بسبب ما أنفقه على الجيش في محاربة الفرس إلى قطع الإعانة عنهم مراعيا في ذلك الاقتصاد في النفقات وعلى ذلك اعتبرت هذه القبائل أنفسها أحرارا غير مقيدين بمحالفتهم الروم فانضموا إلى المسلمين، ثم إن أهل الشام أيضا أرهقتهم زيادة الضرائب فضلا عما كانوا يلاقونه من الاضطهادات الدينية ولذلك لم يحركوا ساكنا وقد كانوا يفضلون حكم العرب لحسن معاملتهم وعدلهم في أحكامهم كل هذه كانت ظروفا ملائمة للمسلمين المهاجمين.
استعداد هرقل1
وصل أمراء المسلمين إلى الشام فأخذ عمرو طريق المعرقة ونزل بالعربة وهي واد بين البحر الميت وخليج العقبة ونزل أبو عبيدة الجابية ونزل يزيد البلقاء ونزل شرحبيل الأردن وقيل بصرى. فبلغ الروم ذلك فكتبوا إلى هرقل وكان في القدس فقال: أرى أن تصالحوا المسلمين فوالله لأن تصالحوهم على نصف ما يحصل من الشام ويبقوا لكم نصفه مع بلاد الروم أحب إليكم من أن يغلبوكم على الشام ونصف بلاد الروم فتفرقوا عنه وعصوه فجمعهم وسار بهم إلى حمص فنزلها وأعد الجنود والعساكر وأراد إشغال كل طائفة من المسلمين بطائفة من جنوده لكثرة عسكره لتضعف كل فرقة من المسلمين عمن بإزائها فأرسل إلى عمرو أخاه تذارق لأبيه وأمه فخرج نحوهم في 90. 000 وبعث من يسوقهم حتى نزل صاحب الساقة ثنية جلق بأعلى فلسطين، وبعث جرجة بن توذار نحو يزيد بن أبي سفيان فعسكر بإزائه، وبعث الدراقص فاستقبل شرحبيل بن حسنة، وبعث الفبقار بن نسطوس في 60. 000 نحو أبي عبيدة فهابهم المسلمون وكاتبوا عمرا أن ما الرأي؟ فأجابهم: أن الرأي لمثلنا الاجتماع فإن مثلنا إذا اجتمعنا لا يغلب من قلة فإن تفرقنا لا تقوم كل فرقة بمن استقبلها لكثرة عدونا، وكتبوا إلى أبي بكر فأجابهم مثل جواب عمرو، وقال: إن مثلكم لا يؤتى من قلة إنما يؤتى العشرة آلاف إذا أتوا من تلقاء الذنوب فاحترسوا من الذنوب واجتمعوا باليرموك متساندين وليصل كل رجل منكم بأصحابه.
وكان جميع فرق المسلمين 21. 000 سوى عكرمة في 6000، وبلغ ذلك هرقل فكتب إلى بطارقته أن اجتمعوا لهم، واجتمع المسلمون باليرموك كما أمرهم أبو بكر واجتمع الروم هناك أيضا وعليهم التذارق وعلى المقدمة جرجة وعلى مجنبتيه الدراقص وباهان ولم يكن قد وصل بعد إليهم وعلى الحرب الفيقار فنزلوا الواقوصة وهي على ضفة اليرموك وصار الوادي خندقا لهم، وإنما أراد باهان وأصحابه أن تستفيق الروم ويأنسوا بالمسلمين وانتقل المسلمون عن عسكرهم الذي اجتمعوا به فنزلوا عليهم بحذائهم2 على طريقهم وليس للروم طريق إلا عليهم، فقال عمرو: أيها الناس أبشروا