ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد، وما تدعو إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة، قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن حضير "الذي كان رئيس الأوس يوم بعاث ومن أحسن الناس صوتا بالقرآن، وكان أحد المشهود لهم بالعقل وأحد النقباء":

والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة، ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا فقوموا فبايعوا أبا بكر. فقاموا إليه فبايعوه، فأنكر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا أجمعوا له من أمرهم1.

ولم يلق الرأي الذي قاله الأنصار "منا أمير ومنكم أمير" قبولا حتى سعد نفسه فإنه لما سمع به قال: هذا أول الوهن. لأن انقسام القوة موهن لها، وكذا رفضه عمر حيث قال: هيهات لا يجتمع اثنان في قرن. وأسرع عمر في مبايعة أبي بكر علما منه بمكانته واعترافا بفضله.

أقبل الناس يبايعون أبا بكر من كل جانب، وأقبلت أسلم بجماعاتها حتى تضايقت بهم السكك فبايعوا فكان عمر يقول: ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر وكاد الناس من شدة الزحام يطأون سعد بن عبادة الذي كان يومئذ مريضا ولا يستطيع النهوض، وحدثت بينه وبين عمر مشادة، وأخيرا حمل سعد وأدخل في داره وترك أياما ثم بعث إليه أن أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك فقال:

أما والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبل، وأخضب سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي فلا أفعل، وايم الله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي. 2

هذا ما أجاب به سعد من دعوه إلى مبايعة أبي بكر بعد أن علم أن البيعة قد تمت ولكن ماذا يفيد امتناعه عن البيعة، وليس له أنصار ولا أغلبية! لقد طمع في الخلافة، وظن أن قومه سيقاومون ويتمسكون به إلى آخر رمق3 من حياتهم، إنه توعد وهدد بمفرده لذلك لم يكترث به أحد فتركوه وشأنه.

فلما علم أبو بكر بما قال سعد، قال له عمر: لا تدعه حتى يبايع، فقال له بشير بن سعد: إنه قد لج وأبى، وليس بمبايعتكم حتى يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده، وأهل بيته، وطائفة من عشيرته، فاتركوه فليس تركه بضاركم إنما هو رجل واحد، فتركوه عملا برأي بشير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015