ويجمع البديع النادر والضعيف الساقط. فبينا، هو يصوغ أفخر حلي، وينظم أحسن عقد، وينسخ أنفس وشيء، ويختال في حديقة ورد، إذا به وقد رمى بالبيت والبيتين في إبعاد الاستعارة، أو تعويص اللفظ، أو تعقيد المعنى، إلى المبالغة في التكليف، والزيادة في التعمق، والخروج إلى الإفراط والإحالة والسفسفة، والركاكة والتبرد والتوحش، باستعمال الكلمات الشاذة، فمحا تلك المحاسن، وكدر صفاءها، وأعقب حلاوتها مرارة لا مساغ لها، واستهدف لسهام العائبين، وتحكك بألسنة الطاعنين: فمن متمثل بقول الشارع (من الكامل):
أنت العروس لها جمال رائق ... لكنها في كل يوم تصرع
ومن مشبه إياه بمن يقدم مائدة تشتمل على غرائب المأكولات وبدائع الطيبات، ثم يتبعها بطعام وضر، وشراب عكر، أومن يتبخر بالند المعشب المثلث، المركب من العود الهندي والمسك الأصهب والعنبر الأشهب، ثم يرنقه بإسار الريح الخبيثة، ويفسده بالرائحة الردية، أو بالواحد من عقلاء المجانين ينطق بنوادر الكلم، وطرائف الحكم، ثم يعتريه سكرة الجنون فيكون أصلح أحواله وأمثل أقواله أن يقول: اعذرني فإن العذرة متعذر فمما نشر أبو الطيب من هذا النمط قوله (من
الخفيف):
أتراها لكثرة العشاق ... تحسب الدمع خلقة في الآقي؟
وهو ابتداء ما سمع بمثله، ومعنى تفرد بابتداعه، ثم شفعه بما لا يبالي العاقل أن يسقطه من شعره فقال:
كيف ترثي التي كل جفن ... راءها غير جفنها غير راقي
وقوله (من الطويل):
ليالي بعد الظاعنين شكول ... طوال، وليل العاشقين طويل